٢- ولقد استولى الرعب على اليهود حينما حاصرهم النبي حتى صاروا يخافون المسلمين أكثر مما يخافون الله ولا يجرؤون على مواجهتهم في الحرب، وقصارى أمرهم أن يقاتلوا وهم متحصنون في قرارهم المحصنة أو من وراء جدرها وأسوارها. وإن عداوتهم لبعضهم شديدة وقلوبهم متفرقة وإن بدا في الظاهر أنهم مجتمعون متفقون. وأنهم في حالتهم هذه كحالة جماعة من قبلهم لم يلبثوا حين حوصروا أن خارت عزائمهم وذاقوا شرّ ما صنعوا.
والآيات تعقيب على ما كان في ظروف حادث بني النضير وموقف اليهود والمنافقين. بل المتبادر أن آيات السورة من مطلعها إلى آخر هذه الآيات قد نزلت بعد انتهاء الحادث تعقيبا عليه من جهة وتوضيحا لحالة اليهود والمنافقين من جهة، وتشريعا لما اقتضت حكمة التنزيل تشريعه من جهة، وتبريرا وتعليلا لكل ذلك من جهة في آن واحد. ويتبادر لنا أن بعض الأفعال التي جاءت في صيغة المضارع أو الاستقبال هي أسلوبية ولا تعني أن تكون الآيات قد نزلت قبل انتهاء الحادث.
ولقد قلنا قبل إن حلفاء بني النضير هم الخزرج أو قوم عبد الله بن أبي كبير المنافقين منهم. ولقد كان الجمهور الأكبر من الخزرج مخلصين مؤيدين للنبي ﷺ في موقفه من اليهود فكان في ذلك خذل وخزي لعبد الله بن أبي ومن تابعه من عشيرته في نفاقه وموقفه وصاروا كما حكت الآيات أعجز وأجبن من أن يفوا بوعودهم لليهود. وعاد تحريضهم وتثبيطهم على هؤلاء بخسارة أشدّ مما كان ينالهم لو لم يفعلوا.
أما ما أشير إليه تلميحا في الآية [١٥] من المثال القريب الذي حلّ في غيرهم فهو حادث إجلاء بني قينقاع على ما ذكره بعض المفسرين عزوا إلى ابن عباس وقد قال بعض آخر إنه مثل ما حلّ بالمشركين في بدر «١». والقول الأول هو الأرجح بقرينة ضمير قَبْلِهِمْ العائد لبني النضير والذي يعني حادثا لليهود ولأن المشركين عادوا فكرّوا على المسلمين وأخذوا ثأرهم في وقعة أحد. ولقد شرحنا