زعماء الطرفين ذهبوا إلى الكعبة وأقسموا على الثبات على المخالفة عند الأصنام التي كانت في فنائها وأن زعماء قريش استحلفوهم أن يقولوا إنهم هم الأهدى أم محمد فقالوا لهم هم الأهدى مما احتوته آية سورة النساء هذه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (٥١) إشارة إليه على ما رواه المفسرون «١». ثم ذهب الوفد إلى قبائل غطفان وقيس وغيلان وحرضوهم وتحالفوا معهم. ولما أتمّت هذه الأحلاف أو الأحزاب جهازها زحفوا على المدينة ونزلوا على أطرافها وكان عددهم نحو عشرة آلاف أو أكثر وكانت قيادة قريش والأحزاب في يد أبي سفيان. وسعى زعماء بني النضير حتى جعلوا يهود بني قريظة الموجودين في المدينة ينقضون عهدهم مع المسلمين. وقد أرسل النبي زعيمي الأوس والخزرج ليستطلعا خبرهم فوجدوهم على أخبث حال حيث أنكروا ما بينهم وبين النبي والأنصار من عهود وأسفروا عن عدائهم ولؤمهم. وجرؤ المنافقون فأخذوا يثبطون همم إخوانهم ويثيرون فيهم الفزع ويسيئون أدبهم نحو الله ورسوله. وقد أدّى كل هذا إلى اضطراب المسلمين الذين وجدوا أنفسهم بين نارين من الأعداء من قدامهم وخلفهم ومخامرة من المنافقين بين صفوفهم. وجعل النبي وأصحابه يقررون حفر خندق حول المدينة من ناحية مكة ويعسكرون حوله للدفاع ويرفعون النساء والأولاد إلى الهضاب والجبال. وقد أتموا حفر الخندق برغم ما نالهم من جهد وشارك النبي في العمل وعسكروا وراءه وكان عددهم ثلاثة آلاف. وقد حال الخندق كما كان مقدرا دون اشتباك المسلمين مع الأحزاب في معركة وزحف عام ولم يقع بينهم إلّا حوادث قتال وبراز فردية وتراشق بالنبال. ولم يصب من الطرفين إلّا قليل. وظل الأحزاب يحاصرون المدينة نحو عشرين يوما. وقد جاء في هذه الأثناء شخص من غطفان اسمه نعيم إلى النبي ﷺ وكان مؤمنا يكتم إيمانه عن قومه وسأله عما يجب عليه أن يفعله لصالح المسلمين فأمره بالتخذيل والتثبيط في