ولقد قال الإمام أبو عبيد في كتاب الأموال «١» إنه لا رقّ على أسرى العرب وبذلك مضت سنّة رسول الله. وكذلك حكم عمر فيهم أيضا حتى إنه ردّ سبي أهل الجاهلية وأولاد الإماء منهم أحرارا إلى عشائرهم على فدية يؤدونها وقال كلمته المشهورة (ليس على عربي ملك) حيث ينطوي في هذا خطة أو تلقين خاص بالنسبة للعرب الذين هم مادة الإسلام كما وصفهم عمر كما هو مشهور.
وأخيرا نقول إنه لا أسر ولا استرقاق ولا منّ ولا فداء بين المسلمين في حالة وقوع قتال بينهم. لأن هذا القتال لا يدخل في مفهوم الجهاد في الإسلام ولا يستتبع آثاره وتظل صفة الطائفتين هي صفة (الأخوة) كما جاء في آيات سورة الحجرات وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) ويطلق سراح الأسير المسلم الذي يقع في يد المسلم بدون معنى منّ وفداء. كذلك فإنه لا أسر ولا استرقاق للمسالمين من الكفار ولا أسر ولا استرقاق لمن صالحوا المسلمين من الكفار الأعداء إذا تمّ الصلح قبل الاسترقاق أي قبل أن يقرر ولي أمر المسلمين استرقاقهم وإذا أسلم قبل ذلك يتحرر. وإذا جاء عبد مالكه كافر إلى المسلمين وأسلم يتحرر كذلك. وقد روي في صدد هذا حديث رواه أبو داود والترمذي عن علي قال «خرج عبدان إلى النبي ﷺ يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم والله يا محمد ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هربا من الرقّ فقال ناس صدقوا يا رسول الله ردّهم إليهم فغضب النبي ﷺ وقال ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا. وأبى أن يردّهم وقال هم عتقاء الله عزّ وجل» «٢».
(٢) التاج ج ٤ ص ٣٥٥- ٣٥٦.