ولم نطلع على رواية خاصة في نزول الآيات. والمتبادر أنها هي أيضا فصل آخر ملحق بالفصلين السابقين. وقد روى المفسرون «١» عن ابن عباس وعلماء التابعين قولين في من عنتهم جملة إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ إلخ أحدهما أنهم أهل الكتاب أو اليهود الذين عرفوا الحق وارتدوا عنه وثانيهما أنهم المنافقون الذين ارتدوا عن الإسلام. وقد رجح الطبري القول الثاني. وهو الأوجه على ما يلهمه فحوى السياق السابق الذي ذكر فيه مرضى القلوب.
كذلك رووا «٢» قولين في من عنتهم جملة لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ أحدهما أنهم اليهود وثانيهما أنهم مشركو العرب وكفارهم. والجملة تتحمل القولين. فهناك آيات وصف اليهود فيها بهذا الوصف وآيات وصف كفار العرب به. ولقد وصف كفار العرب به في إحدى آيات السورة نفسها وهي الآية [٩] حيث يمكن أن يرجح ذلك الاحتمال الأول. ولا سيما أنه ليس من دليل على أن هذه السورة نزلت قبل وقعة يهود بني قريظة لأنه لم يعد بعدهم في المدينة كتلة يهودية يمكن أن يتواطأ معها المنافقون.
وعلى كل حال ففي الآية [٢٦] التي فيها هذه الجملة إشارة إلى ما كان من تواطؤ المنافقون وانسجامهم مع أعداء الرسالة المحمدية سواء أكانوا اليهود أم المشركين. وقد تكررت هذه الإشارة في آيات عديدة مرّت أمثلة منها.
والآيات قوية التنديد والإنذار والتشنيع من جهة وفيها تلقين مستمر المدى كالفصلين السابقين من جهة أخرى بتقبيح النفاق والارتداد إلى الضلال والباطل بعد ظهور الحق والهدى والتواطؤ مع أعداء الإسلام والمسلمين.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠).
(١) انظر كتب التفسير السابقة الذكر. [.....]
(٢) المصدر نفسه.


الصفحة التالية
Icon