جالسا مع الأسود بن يزيد في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي فحدّث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس فأخذ الأسود كفّا من حصى وحصبه به وقال ويلك تحدث بمثل هذا. قال عمر لا نترك كتاب الله وسنّة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت. لها السكنى والنفقة. قال الله عز وجل لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» وفي هذا حق وصواب. فالآية لا تذكر صفة الطلاق إن كان رجعيا أو بائنا أو باتا. والمطلقة البائنة أو المبتوتة تكون ممنوعة من الزواج ومحرومة من النفقة مدة عدتها. ومطلقها هو سبب ذلك فمن الحق والعدل أن يتحمل نفقتها تبعا لما ذكر القرآن من واجبه بتحمل سكنها. وهذه المدة قصيرة. فهي حيضة واحدة أو شهر واحد وهي عدة لاستبراء الرحم على ما ذكرناه وأوردنا في صدده وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد يكون هذا الحق واردا بالنسبة لمن يكون أمرها بيدها وطلقت نفسها كما هو المتبادر.
وقد يكون حديث أبي إسحاق مؤيدا لقول من قال إن للمطلقة الرجعية حق النفقة بالإضافة إلى السكن. بل هو كذلك من باب أولى. وللحديث مغزى فقهي عظيم. وهو أن أصحاب رسول الله كانوا يتوقفون فيما يرويه البعض من أحاديث معزوة إلى النبي إذا ما رأوها متعارضة مع نصّ قرآني أو سنّة نبوية أخرى. ويوردون احتمال الغلط أو النسيان فيما ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. والظاهر أن هذا الحديث وأمثاله هو الذي جعل أئمة الحديث يضعون قاعدة لصحة الأحاديث النبوية وهي عدم تعارضها مع النصوص القرآنية. والحديث الذي توقف عمر فيه من مرويات مسلم وأبي داود. وهذه نقطة مهمة في بابها والله تعالى أعلم.
هذا، وتوجيه الخطاب في أول السورة إلى النبي ﷺ قد ينطوي على تقرير لكونه هو ومن يتولى أمر المؤمنين من بعده ذا حقّ الإشراف على تنفيذ ما احتوته الآيات من حدود ورسوم. وهو ما انطوى في آيات البقرة والنساء العائدة إلى الشؤون الأسروية واستلهمنا منه صلاحية وحق القضاء الإسلامي في الإشراف على هذه الشؤون ومراقبتها وتنظيمها ومن ذلك الطلاق.