إذا زنى بأمة. وقد عزا المفسر المذكور إلى السيوطي تفنيدا لهذا القول لأنه لا يتفق مع نص الآية. والتفنيد في محله. ولقد كانت حالة الإماء وتعرضهن للبغاء هي السبب الذي جعل حكمة التنزيل تخفف عنها الحد على ما شرحناه قبل. وهذا ليس واردا بالنسبة للمماليك الذكور.
ولقد وقف بعضهم عند جملة وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ فقالوا إن ذلك بسبيل تنفيذ الحد وأنه لا يعني القسوة في الجلد. وأن هذا يجب أن يكون غير مبرح. وقد روى ابن كثير- الذي هو من جملة من ذكر ذلك- أن ابن عمر ضرب جارية له زنت ضربا غير مبرح، فقال له ابنه كيف تفعل ذلك والله يقول وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ فقال له يا بني إنّ الله لم يأمرني أن أقتلها ولا أن أجعل جلدها في رأسها. ولقد أوردنا في سياق تفسير الآية [٢٥] من سورة النساء حديثا رواه الخمسة جاء فيه «أن النبي أمر بجلد الأمة إذا زنت دون تثريب أي دون قسوة».
بحيث يمكن القول إن ابن عمر أخذ بالسنّة النبوية. والحديث وإن كان في صدد الإماء فإن الأخذ به بالنسبة لكل من يقام عليه حدّ الجلد يكون شذوذا، والله تعالى أعلم.
هذا ويلحظ أن الزانية قدّمت على الزاني في الآية الثانية في معرض عقوبة الجلد، مع أن القرآن جرى على تقديم الرجل والذكر على المرأة والأنثى بصورة عامة الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ [البقرة: ٧١] والْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ [الفتح: ٦] ولا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى [آل عمران:
١٩٥] ووَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ... إلخ [غافر:
٤٠]. وفي عقوبة السرقة وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [المائدة: ٣٨] ويتبادر لنا في ذلك حكمة، وهي أن الزنا المستحق للحد لا يمكن أن يتم إلا بموافقة المرأة، إذا لم يكن بإكراه الرجل لها. فتكون والحالة هذه سبب الإثم فاستحقت أن تذكر قبل الرجل. وفي حالة الإكراه لا تكون مستحقة للعقوبة على ما مرّ بيانه، والله تعالى أعلم.