والآية وإن كانت بصيغة الجمع المخاطب وتبدو أنها موجهة إلى المسلمين فالمتبادر الذي تلهمه روحها أنها موجهة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالزنا جريمة لا بد من ثبوتها أمام القضاء ولا بدّ من السلطان لإقامة الحد الشرعي. وكان هذا وذاك موطدين في شخص النبي صلى الله عليه وسلم. والآية بعد احتوت تشريعا مستمرا. وهذا يعني أن الذي يقوم مقام النبي ﷺ في تمثيل القضاء والسلطان هو المكلف بتنفيذ هذا التشريع.
هذا، ومن الجدير بالتنويه أن التشريع القرآني والنبوي معا قد سوّى بين الرجل والمرأة. وفي هذا ما فيه من عدل وحق من جهة ومن تقرير مساواة الرجل والمرأة في تبعة العمل الواحد والتكاليف المتشابهة من جهة ثانية. ومما لا ريب فيه أن التشديد على المرأة دون الرجل في جريمة الزنا واعتباراتها مما هو جار في الأوساط الإسلامية اليوم غير متمشّ مع قاعدة القرآن القائمة على الحق والعدل والمساواة.
واستثناء الأمة من حيث كون القرآن جعل حدها نصف حدّ الحرة على ما شرحناه في سياق تفسير آية النساء [٢٥] ليس من شأنه أن يخلّ بهذه المساواة.
فالأحرار هم الأكثرية العظمى في المجتمع الإسلامي. وعليهم يقوم بنيان هذا المجتمع. وهذا الاستثناء هو بسبب اعتبارات وجيهة. ولم يشمل المماليك الذكور. ومع ذلك فإنه استثناء تخفيفي وليس تشديديّا.
[سورة النور (٢٤) : آية ٣]
الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)
. (١) لا ينكح: لا يتزوج. وقد ورد هذا التعبير بهذا المعنى في آيات كثيرة مثل آية سورة البقرة [٢٢١] وآية سورة النساء [٢٢] وآية سورة الأحزاب [٤٩] بل ولم ترد في القرآن بغير معنى الزواج.