وهذا ظاهر الوجاهة أيضا.
والمستفاد من أقوال المفسرين «١» أن جرم القذف يتحقق سواء أبتوجيه التهمة قضائيا أي برفعها إلى ولي الأمر والحاكم أم بتوجيه الكلام في معرض الشتيمة في حضور المقذوف به أو في غيابه. أم في معرض الإخبار. وبكلمات صريحة أو بكلمات لا تفسر إلّا بتهمة الزنا وكل هذا وجيه ومتسق مع مضمون الآية وروحها.
والوقعة التي وقعت في عهد عمر والتي ذكرناها في ذيل الصفحة (٣٦٩) تدل على أنه إذا شهد واحد أو اثنان أو ثلاثة فقط ولم يشهد رابع عدّ الثلاثة قاذفين أيضا ووجب عليهم الحد. وهو ما عليه الجمهور. وهو حق وصواب. ويظهر من أقوال المفسرين أن الشاكي أو المتهم أو القاذف يصحّ أن يكون شاهدا من أربعة. وهذا وجيه أيضا. لأن القضية ليست خصومة بين مدّع ومدعى عليه.
وحكمة إيجاب الحد على القاذف ظاهرة كما أن حكمة إناطة التهمة بأربعة شهداء متصلة بحكمة تعليق ثبوت الزنا على أربع شهادات كما هو المتبادر.
فأعراض الناس وكراماتهم من الأمور الجوهرية في الحياة الاجتماعية. ويترتب على القذف فيها نتائج خطيرة شخصية وأسرية واجتماعية. وفي إيجاب الحدّ على القاذف ردع عن التهجم على الأعراض والاستهانة بها. وفي إناطة ثبوت التهمة بأربعة شهداء وسيلة قوية لمنع الإرجاف وشيوع أخبار الفاحشة والسوء في الأوساط الاجتماعية. أما إذا استطاع القاذف أن يقيم البينة بأربع شهادات فتكون حالة المقذوف حالة استهتار بشع. ويكون موقف القاذف محقا ووسيلة للتنكيل بمن يرتكب الفاحشة بمثل هذا الاستهتار البشع.
وقد اختلفت الأقوال في مدى الاستثناء الذي احتوته الآية الثانية. فمنها أن التوبة لا تسقط الحدّ عن القاذف إن كانت قبل إيقاعه ولا تجعل شهادته مقبولة.
وكل أمرها أنها تسقط عنه صفة الفسق. ومنها أنها تجعل شهادته مقبولة أيضا.
وقال القائلون بهذا إن كلمة (أبدا) هي في حالة عدم التوبة وإصرار القاذف على ما

(١) انظر الطبري والبغوي والطبرسي والخازن وابن كثير والزمخشري إلخ.


الصفحة التالية
Icon