ويلحظ أن الآية لم تقيد الشهداء بصفة ما. حيث استنتج بعضهم من ذلك جواز قبول الشهادة من أي كان. غير أن بعضهم منع قبول شهادة المعروف بالفسق استئناسا بآية سورة الحجرات هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وبعضهم جعل قيد الإسلام شرطا استئناسا بآية سورة النساء (١٥) وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ وهذا وذاك وجيهان كما هو ظاهر. والجمهور على أن شهادة الزنا والقذف محصورة بالرجال دون النساء على ما ذكرناه في سياق تفسير آية النساء المذكورة آنفا. ونكرر ما قلناه في سياق تفسير هذه الآية. وهو أن الآية لا تفيد هذا الحصر. وفرصة مشاهدة النساء لهذه الجريمة أكثر سنوحا منها بالنسبة للرجال. ولم نطلع على حديث نبوي وثيق بردّ شهادة النساء مطلقا في أي نوع من القضايا. وهناك حديث رواه الترمذي وأبو داود عيّن فيه رسول الله ﷺ الذين تردّ شهادتهم وهم «الخائن والخائنة وذو الغمر على أخيه وشهادة التابع لأهل البيت وجوازها لغيرهم». وفي رواية «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية» «١». ولم نر أحدا من المفسرين ذكر شيئا بشأن شهادة العبد. وليس في القرآن ما يمنع قبول شهادة العبد المسلم في كل ما تقبل به شهادة الحرّ المسلم.
ولم نطلع على حديث صحيح يمنع ذلك. ولقد أشار ابن القيم إلى هذه المسألة وفنّد قول من يقول بعكس ذلك «٢».
ولم نر المفسرين ذكروا حالة ما إذا كان المقذوف عبدا أو أمة. وكل ما هناك أنهم قالوا في سياق تعريف الْمُحْصَناتِ أنهن الحرائر العفيفات. وقد أشار ابن القيم إلى هذه المسألة بما يفيد أنه ليس على قاذف العبد حدّ، وعلل ذلك بأن الله لم يجعل العبد كالحرّ لا قدرا ولا شرعا، وأن هذا لا يتناقض مع تسويته في الثواب
(٢) إعلام الموقعين ج ٢ ص ٤٩.