وهكذا تكون الآية متصلة بموضوع السياق السابق. ومن المحتمل أن تكون نزلت لحدتها فوضعت في ترتيبها للتناسب الموضوعي. ومن المحتمل أن تكون نزلت مع السلسلة التي نزلت كما يبدو واضحا من مضمونها وروحها بعد انتهاء قضية حديث الإفك على سبيل الإنذار والتنديد والتنويه والتبرئة والتهدئة. وهو ما نرجحه. والله أعلم.
ولقد ذكرنا قبل أن المفسرين رووا أن مسطحا كان من جملة الذين أقام النبي ﷺ عليهم حدّ القذف. وروح الآية تفيد أنه ندم وتاب فتاب الله عليه.
واقتضت حكمة التنزيل بعد ذلك معالجة أمر قسم أبي بكر بالامتناع عن النفقة عليه فجاءت الآية بأسلوبها الرائع مما جرى عليه النظم القرآني في معالجة مثل هذه الحوادث وتهذيب نفوس أصحاب رسول الله في ظروفها وبثّ التسامح بينهم.
وقد روى المفسرون «١» أن أبا بكر رضي الله عنه قال حينما نزلت الآية إني والله لأحبّ أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح بنفقته التي كان ينفق عليه حيث ينطوي في هذا صورة لأخلاق أصحاب رسول الله وإذعانهم لأوامر الله وتوجهاتهم وكبت غيظهم بسبيل ذلك.
وفي الآية وبخاصة في أسلوبها المطلق الذي جاءت به تلقين جليل عام الشمول والاستمرار بوجوب تغليب عاطفة الرأفة والجنوح إلى العفو والصفح وكظم الغيظ وعدم منع المعونة عن المحتاج إليها إذا ما بدا منه بعض الهفوات والتصرفات الشاذة. فالله لا يمنع رحمته ويقفل باب غفرانه عن أحد، وفي هذه لعباده الأسوة الحسنة.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٢٣ الى ٢٥]
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥)