أولا: لا يصح للمؤمنين الذين وجّه إليهم الخطاب في الآيات أن يدخلوا بيوتا غير بيوتهم إلّا بعد الاستئذان والاستئناس بأن أهلها فيها، وبعد أن يأذنوا بدخولهم عليهم. وعليهم أن يحيوهم بالسلام قبل كل شيء. وإذا قيل لهم ارجعوا فليرجعوا، فهذا هو الأطهر لهم المبعد عنهم قالة السوء.
وثانيا: لا يصح لهم أن يدخلوا كذلك بيوتا غير بيوتهم إذا لم يجدوا فيها أحدا من أصحابها إلا بإذن منهم باستثناء البيوت غير المسكونة إذا كان لهم في ذلك مصلحة وحاجة.
وقد نبهت مقاطع الآيات الثلاث الأخيرة إلى أن ما في ذلك من تذكير وتعليم. وإلى كون الله تعالى يعلم كل ما يفعلونه وكل ما يبدونه أو يكتمونه على سبيل التدعيم لما احتوته الآيات من تشريع، والتشديد على وجوب اتباعه وعدم مخالفته.
وقد روى الطبري عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت:
يا رسول الله إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحبّ أن يراني أحد لا والد ولا ولد، وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فنزلت الآية الأولى. وروى الزمخشري أن أبا بكر قال: يا رسول الله إنه قد أنزل عليك آية بالاستئذان وإنا نختلف في تجاراتنا فننزل هذه الخانات أفلا ندخلها إلّا بإذن؟
فنزلت الآية الثانية. وقال الخازن: لما نزلت آية الاستئذان قالوا: كيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام على ظهر الطريق ليس فيها ساكن يريدون المنازل المبنية للسابلة ليأووا إليها ويؤووا أمتعتهم، فأنزل الله الآية الثالثة.
والرواية الأولى محتملة جدّا دون الروايتين الثانيتين فيما يتبادران لنا. لأن منازل السابلة في طريق مكة والمدينة والشام قد أنشئت في الدولة الإسلامية وكان العرب يحملون خيامهم من الشعر أو الجلد فيأوون إليها حينما ينزلون منزلا في رحلاتهم الطويلة. وهذا لا يمنع أن يكون بعضهم استفتى النبي ﷺ حينما نزلت الآية الأولى عن أمر البيوت غير المسكونة فرفع الله في الآية الثالثة الحرج عن