ولقد روى الشيخان والترمذي في سبب نزول الآيات حديثا عن زيد بن أرقم قال «كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أبيّ بن سلول، يقول لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ، فذكرت ذلك لعمي، فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه، فحلفوا ما قالوا فصدقهم رسول الله ﷺ وكذبني فأصابني همّ لم يصبني مثله، فجلست في بيتي فأنزل الله عز وجل إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ إلى قوله هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إلى قوله لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فأرسل إليّ رسول الله ﷺ فقرأها عليّ، ثم قال: «إن الله قد صدقك يا زيد» «١». حيث يفيد هذا الحديث أن هذا الفصل نزل دفعة واحدة. وهو في الحق منسجم ومترابط.
وعلى هذا فتكون الآيات الست الأولى بمثابة تمهيد للآيتين التاليتين لها اللتين فيهما حكاية أقوال المنافقين. وقد عرضنا الفصل كلّا واحدا بسبب هذا الانسجام.
ولقد أورد المفسرون ورواة الحديث وكتّاب السيرة القدماء في صدد نزول هذه الآيات وما فيها، سياقا طويلا نرى من المفيد إيراده لما فيه من صور. فقد خرج النبي ﷺ على رأس حملة لغزو بني المصطلق الذين بلغه أنهم يتجمعون لغزو المدينة. وكان المنافقون مشتركين بالحملة بمقياس واسع. وقد التقى المسلمون بالأعداء عند ماء اسمه المريسيع وانتصروا عليهم وسبوا وغنموا منهم. وقبيل أن يرتحلوا ويعودوا، تلاحى شخص تابع لعمر بن الخطاب وآخر تابع لبني عوف رهط ابن سلول على الماء فاقتتلا وصرخ تابع عمر: يا معشر المهاجرين، وصرخ تابع بني عوف: يا معشر الأنصار، وكاد الاشتباك يقع بين الحيين ثم تمكن النبي وكبار أصحابه من التهدئة. وأثار ذلك ابن سلول، فقال في مجلس من قومه: لقد نافرونا وكاثرونا في بلادنا- يقصد المهاجرين- والله ما مثلنا ومثلهم إلّا كما قال القائل سمّن كلبك يأكلك. أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله وصحبه. ثم أقبل على من حضره من قومه فقال: