لنزول كل قسم مناسبة خاصة، هذا في حين أن قوة الانسجام ظاهرة بين الآيات الأربع بحيث تسوغ ترجيح نزولها دفعة واحدة.
وهذا لا ينقض صحة الحديث والرواية حيث يصح القول إن ما روي جميعه قد وقع قبل نزول الآيات مع شيء آخر هو ما تفيده الآية الثانية من نهي الفريق المعني فيها عن التناجي الآثم فلم يرتدع فاقتضت حكمة التنزيل إنزال الآيات الأربع منبهة منددة منذرة مرشدة ومطمئنة.
ولقد روى الترمذي في فصل التفسير حديثا عن أنس قال «أتى يهوديّ على النبي ﷺ وأصحابه فقال السام عليكم فردّ عليه القوم فقال نبي الله هل تدرون ما قال هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم. سلّم يا نبي الله. قال لا ولكنه قال كذا وكذا ردوه عليّ فردوه فقال قلت السام عليكم. قال نعم. قال ﷺ عند ذلك إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك ما قلت قال وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ» «١».
ومع أن الرواية والأحاديث تذكر أن اليهود هم الذين كانوا يحيون النبي بما لم يحيّه به الله فإن الجملة القرآنية شاملة للذين حكت تناجيهم بالإثم والعدوان وروت الرواية أنهم كانوا فريقا خليطا من المنافقين واليهود فإما أن تكون الآية احتوت الإشارة إلى هذا في مناسبة التنديد بتناجي هذا الفريق الخليط الآثم. أو أن المنافقين أيضا صاروا يقلدون اليهود في تحيتهم الخبيثة.
وإذا صحّ أن المنافقين كانوا فريقا من المتناجين مع اليهود فيكون هذا قرينة على أن هذا الفصل قد نزل قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق والتنكيل ببني قريظة الواردة في سورة الأحزاب أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكور نزل بعده على ما نبهنا عليه في مقدمة السورة.
وعلى كل حال ففي الآية الثانية بخاصة صورة للمواقف الخبيثة التي كان

(١) التاج ج ٤ ص ٢٢٨- ٢٢٩.


الصفحة التالية
Icon