أن يجتمعوا مع النبي اجتماعا خاصا ويتحدثوا معه في أمر ما. ففي ذلك خير وثواب لهم وتطهير لأنفسهم مع استثناء الفقراء الذين ليس معهم ما يعطونه. فإن الله غفور رحيم.
ولقد روى المفسرون «١» أن الناس سألوا النبيّ ﷺ فأكثروا حتى شقّ عليه وثقل فأراد الله أن يخفف عنه فأمرهم بتقديم صدقة بين يدي أسئلتهم واستفتاءاتهم كما رووا أن الأغنياء كانوا يغلبون الفقراء على مجالس النبي ﷺ فأنزل الله الآية ليكون فيها إفساح وتفريج للفقراء.
ولسنا نرى الروايات معقولة ولا مما يصح أن ينسب إلى النبي ﷺ كما أننا لا نراها متسقة مع مضمون الآية. وليست واردة بعد في كتب الحديث المعتبرة.
ويتبادر لنا أن حكمة فرض هذه الصدقة بين يدي مناجاة أحد من المسلمين لرسول الله هو جعل مراجعات الناس للنبي ﷺ في قضاياهم ومشاكلهم الخاصة وسيلة من وسائل أخذ بعض المال من ميسوريهم لإنفاقه على المحتاجين والمصالح العامة. أو بتعبير آخر وضع رسم قضاء وفتوى على نحو ما كان مألوفا ومعتادا عليه في القضاء العربي قبل الإسلام. وقد سمته الآية صدقة لأنه لم يكن لشخص النبي ﷺ الذي لم تحل له الصدقة «٢»، وإنما أريد لمصلحة المسلمين العامة وفقرائهم. وقد كانت الزكاة تسمى صدقة أيضا وهي شريعة مفروضة. وتعبير إِذا ناجَيْتُمُ يفيد معنى الاجتماع الخاص من أجل عرض قضية أو مشكلة خاصة للاستفتاء أو التقاضي. ويجوز أن تكون حكمة التنزيل اقتضت ذلك حينما أخذت استفتاءات الناس الخاصة تكثر على النبي ﷺ لتكون تلك الوسيلة. ويجوز أن يكون ذلك انبثق في نفس النبي ﷺ أولا فأيدته حكمة التنزيل قرآنا. وفي القرآن

(١) انظر الطبري والبغوي والخازن والزمخشري والطبرسي.
(٢) روى الشيخان عن أبي هريرة قال «أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي كخ كخ ليطرحها ثم قال أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة، ولمسلم أما علمت أنا لا تحل لنا الصدقة» التاج ج ٣ ص ٣٠.


الصفحة التالية
Icon