الآية نهي شديد عن موادة من حادّ الله ورسوله ولو كان والدا. وواضح أن هذا التطور يعلل بالموقف العدائي الحربي الذي انتهى إليه الأمر بين النبي ﷺ والمسلمين والمهاجرين من جهة وكفار مكة من جهة أخرى وهو موقف لا يتحمل ملاينة ولا مهاودة ولا أي تساهل واتصال يضرّ بمصلحة الإسلام والمسلمين العامة. وقد يصح أن يضاف إلى هذا أن الآية يمكن أن تكون احتوت إيعازا للأنصار في صدد صلاتهم بأقاربهم من المنافقين الذين يصحّ عليهم وصف مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
هذا، وروح الآية ومضمونها يمدان المسلم في كل وقت بروح وعظة قويتين بوجوب الإخلاص لله ورسوله وبمنافاة موادة المسلم المؤمن للأعداء وموالاتهم منافاة تامة لأي اعتبار كان. وهي ميزان دقيق خالد لإيمان المؤمنين وإخلاصهم لمبادئهم وعقائدهم.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآية حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن النبي ﷺ جاء فيه «إنّ الله يحبّ الأخفياء، والأتقياء، والأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يدعوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كلّ فتنة سوداء مظلمة. فهؤلاء أولياء الله الذين قال الله أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، وحديثا آخر أخرجه نعيم بن حماد جاء فيه «إنّ رسول الله ﷺ كان يدعو قائلا اللهمّ لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يدا ولا نعمة. فإني وجدت فيما أوحيته لي لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ». حيث ينطوي في الحديثين صورة من التعليقات والتعقيبات النبوية على بعض الآيات وأهدافها ومضمونها وحيث ينطوي في ذلك في الوقت نفسه تلقين وحكمة وموعظة للمسلمين في كل زمان ومكان.


الصفحة التالية
Icon