منها آية سورة التوبة هذه وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ... [٧١] وإذا كان لمالكي الرقيق على رقيقهم حقوق تجعل المماليك وما يملكون ملكا لمالكيهم فإن ذلك لا ينزع عنهم الأخوة الإسلامية. مع الأحرار وهم متساوون أمام الله في الحقوق والواجبات الدينية. وفي سورة النساء آية تقرر أن المماليك المؤمنين والأحرار بعضهم من بعض وهي هذه وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [٢٥]، وفي كل هذا ما فيه من روعة وجلال وتلقين. ولقد كان نظام الرق قائما عامّا قبل نزول القرآن فعالجه هو والأحاديث النبوية خير معالجة وحثّا على تحريره بل وضعا أسسا لتحريره وإلغائه وانحصر في دائرة ضيّقة ظلّت تضيق حتى زال أو كاد في الإسلام.
هذا، ولقد قال المفسرون «١» إن في الآيتين دليلا على أن القتال بين المسلمين لا يزيل اسم الإيمان عنهم حتى ولا عن الباغي منهم لأن الله سماهم إخوة ومؤمنين. وفي هذا وجاهة ظاهرة. ولقد روى البغوي «أن سائلا سأل عليّ بن أبي طالب عن الذين قاتلهم وقاتلوه في وقعتي الجمل وصفين «٢» هل هم مشركون؟ قال لا إنهم من الشرك فرّوا. فسأله هل هم منافقون؟ قال لا إن المنافقين لا يذكرون الله إلّا قليلا. فسأله فما حالهم؟ قال إخواننا بغوا علينا».
ومع أن قتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله مستند إلى أمر الله في الآية الأولى من الآيتين اللتين نحن في صددهما فالمتبادر أن هذا لا يدخل ذلك في مدى ومفهوم الجهاد في سبيل الله وموجباته ومقتضياته وحدوده وآثاره. لأن هذا إنما شرع بالنسبة لأعداء المسلمين من غيرهم. ويستتبع هذا أن لا يكون استرقاق للأسرى المسلمين الذين تأسرهم الفئة الثانية ولا جواز قتلهم ولا يكونوا تابعين للفداء لأن كل هذا إنما جاء كذلك بالنسبة لأسرى غير المسلمين من الأعداء. ولقد
(٢) الواقعة الأولى بين علي وأنصاره من جهة وعائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم جميعا من جهة. والثاني بين علي وأنصاره من جهة ومعاوية وأنصاره من جهة.