عقب الفتح المكي وهو ما لا تطمئن النفس به. ولقد روى الترمذي أن النبي ﷺ تلاها في خطبته التي ألقاها على الناس عقب الفتح كآية كانت نازلة قبل، حيث روي أن النبي ﷺ قال في خطبته «أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبّيّة الجاهلية وتعاظمها بآبائها. فالناس رجلان برّ تقيّ كريم على الله. وفاجر شقيّ هيّن على الله. والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب. قال الله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى... » «١» والرواية الأولى لا تتسق مع فحوى الآية.
وأصحاب رسول الله ﷺ من المهاجرين والأنصار أجلّ من أن يداخلهم همّ عظيم بسبب ما ظهر من رسول الله ﷺ من برّ وتكريم لمسلم ولو كان عبدا وهو ما روته الرواية الأولى. وقد يكون في الرواية الثانية مناسبة لأن فيها شيئا مما يتناسب مع الآية، ومع ذلك فإنه يتبادر لنا أن الآية قد جاءت معقبة على الآيات السابقة وبخاصة على الآيتين [١١ و ١٢] اللتين نهتا المسلمين عن إساءة بعضهم لبعض وجاها وغيابا بسخرية وانتقاص أو نبز أو لمز أو سوء ظن أو غيبة أو تجسس وكشف عورة على اعتبار أن فاعل ذلك إنما يفعله وهو يظنّ أنه أرفع وأفضل وأكرم من غيره. وإنها بالتالي جزء من سلسلة الآيات وتتمة لما احتوته من تعليم وتأديب ساميين.
على أن الآية بما هتفت به بالناس واستهدفته من تذكيرهم بمساواتهم لبعض في الأصل والطبيعة وحقوق الحياة. ومن تقرير كون التفاضل بينهم إنما يكون في العمل الصالح وتقوى الله. وكون الأكرم عند الله إنما هو الأتقى، هي جملة تامة لذاتها تقرر وجهة نظر الشريعة الإسلامية التي يمثلها القرآن في الدرجة الأولى، في مساواة الناس في الحقوق والواجبات العامة مساواة تامة. وفي هدم درجات التفاوت والطبقات في الإسلام ونسف امتيازاتها القائمة على الأنساب والأحساب والثروات وما يماثلها من الأعراض. وفي جعل التفاضل منوطا بالسلوك الشخصي