مارية. وشاع أن النبي ﷺ طلقهن بل ورووا أنه طلق حفصة وأن عمر بن الخطاب جاء إلى المسجد فوجد الناس جالسين يبكون وفي رواية ينكتون بالحصى ويقولون: طلّق رسول الله نساءه فاستأذن على النبي فلما أذن له قال: يا رسول الله ما يشقّ عليك من أمر النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك ثم سأله: أطلقتهن؟ قال: لا، فنادى بأعلى صوته: لم يطلق النبي نساءه ونزلت الآيات.
وعلى كل حال فالآيات قد نزلت بسبب حادث ما مما ورد في الأحاديث، وبالتالي بسبب غيرة نساء النبي ﷺ لأن فحواها متطابق مع ذلك. مع القول إن رواية المفسرين لأحاديث غير أحاديث الشيخين والترمذي قد تفيد أن من الرواة من لم يكن متأكدا من هذه الأحاديث، ومتأكدا مما بلغه وأن المفسرين جاروهم في ذلك فجمعوا بين الأحاديث على اختلاف مراتبها. ومن الجدير بالتنبه أنه ليس في الحديث الطويل المروي عن ابن عباس وحديثه عن عمر ما يتصل بالحادث إلّا كون جملة وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ هي في حفصة وعائشة. وهذا مطابق للحديث الأول الذي هو الأقوى سندا والذي قد يكون ما جاء فيه هو الأصحّ والله أعلم.
والتنديد والإنذار في الآيات قويان يلهمان أن الحادث مما أزعج النبي ﷺ كثيرا فجاءا بهذه القوة متناسبين مع شدة الإزعاج والألم اللذين ألمّا بالنبي ﷺ مع علوّ مقامه الذي هو جدير بالتعظيم والتوقير وبخاصة من نساء النبي أكثر من أي شخص آخر.
وهكذا تكون الآيات قد احتوت مشهدا آخر من مشاهد السيرة النبوية الخاصة بحياة النبي ﷺ الزوجية. وقد سبقت الإشارة إلى مشاهد أخرى من ذلك في سورتي الأحزاب والنور.
والإيجاز في الإشارة وأسلوب الآيات معا يلهمان أن الآيات إنما أوحيت للعظة والتعليم مما يصح أن يكون شاملا لعامة المسلمين في الحالات المماثلة التي هي من مشاهد الحياة الزوجية.


الصفحة التالية
Icon