والذي يتبادر لنا أنها جاءت معقبة على الآيات السابقة. فقد حكت ما حكته من الحادث الذي كاد فيه بعض نساء النبي ﷺ له بما آلمه، وأنذرتهن ونددت بهن وطلبت منهن التوبة فجاءت هذه الآيات تهتف بالمسلمين عامة- ونساء النبي داخلات في الخطاب طبعا- على سبيل العظة والتوكيد: بوجوب التوبة إلى الله تعالى مما ألمّوا ويلمّون به من ذنوب وأخطاء توبة صادقة مخلصة ليقوا أنفسهم وأهليهم بذلك من أهوال يوم القيامة ويستحقوا فيه مغفرة الله تعالى ورحمته ورضوانه وجناته.
وقد وصفت الآيات ذلك اليوم بما وصفت من قبيل الاستطراد والتشديد بالدعوة إلى ما هتفت به من التوبة ووقاية النفس والأهل: فالنار شديدة هائلة.
وحرّاسها أشداء أقوياء من الملائكة يسارعون إلى تنفيذ أوامر الله ولا يعصونه في شيء. ولسوف يقال في ذلك اليوم للكفار: لا تعتذروا فلن يفيدكم اعتذار وإنما تجزون بما كنتم تعملون حقّا وعدلا. ولسوف يقرّ الله فيه عيون النبي والمؤمنين المخلصين معه ولا يخزيهم. يشعّ نورهم أمامهم وعلى جوانبهم ويدعون الله بأن يتمّم نوره ونعمته عليهم ويغفر لهم ذنوبهم مقررين أنه على كل شيء قدير.
والآيات قوية نافذة من شأنها بعث الرهبة والرغبة في السامعين وهو مما استهدفته الآيات. وإطلاق الهتاف يجعله عامّا شاملا لكل المسلمين في كل ظرف ومكان.
ووصف التوبة التي دعي إليها المسلمون بالنصوح الذي يعني الندم على ما فات والاعتزام على عدم اقتراف ذنب فيما هو آت. وهو ما أوله به أهل التأويل من أصحاب رسول الله وتابعيهم على ما رواه المفسرون «١». وهذا هو الأصل الحكيم في مبدأ التوبة القرآني على ما نبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة.
ولقد علّق المفسرون «٢» على جملة قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً فقالوا: إنها

(١) انظر تفسير الطبري والبغوي والزمخشري والخازن.
(٢) المصدر نفسه.


الصفحة التالية
Icon