(٢) وبشرى للنبي ﷺ بأن ما يسّره الله له من الفتح هو وسيلة إلى غفران الله ذنوبه السابقة واللاحقة وإتمام نعمته عليه وتوفيقه إلى أقوم الطرق، ونصره في النهاية نصرا عزيزا لا مثيل له. ومع أن هناك من ذهب إلى أن الفتح المذكور هو فتح مكة «١» فإن الأكثر على أنه صلح الحديبية «٢» وقد جاء هذا على لسان النبي ﷺ بالذات إن صحّ الحديث المروي عن مجمع بن حارثة الذي أوردناه قبل. وهو مؤيد بالأحاديث التي ذكرت أن نزول الآيات إنما كان في أثناء سفرة الحديبية. وبينها وبين فتح مكة عامان. ولقد روى الزمخشري عن موسى بن عقبة حديثا آخر مؤيدا لذلك أخرجه البيهقي جاء فيه «أقبل رسول الله ﷺ من الحديبية راجعا فقال رجل من أصحابه ما هذا بفتح. لقد صدّونا عن البيت. وصدّ هدينا فبلغ النبي ﷺ فقال:
بئس الكلام هذا. بل هو أعظم الفتوح وقد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح. ويسألوكم القضية. ويرغبوا إليكم في الأمان. وقد رأوا منكم ما كرهوا».
وصيغة الآيات وروحها ومضمونها يدل على أنها نزلت على سبيل تطمين نفوس المسلمين وإيذانهم بأن ما كان قد كان فتحا مبينا ومقدمة لنصر قوي عظيم ينالونه تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم.
وملخص الروايات الواردة في قصة سفرة الحديبية وصلحها هو ما يلي «٣» :
رأى النبي ﷺ في منامه أنه زار الكعبة فاعتزم زيارتها. واستنفر إلى ذلك المسلمين وخرج في نحو ألف وأربعمائة أو ألف وخمسمائة أو ألف وثلاثمائة وساق معه الهدي (الأنعام التي ستذبح قرابين أثناء الزيارة) وكان ذلك في أواخر العام الهجري السادس وفي شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم- وقد يدل هذا على أنه أراد الحج أيضا لأن الزيارة كانت في موسم الحج- فلما وصل إلى مكان اسمه ذو الحليفة
(٢) انظر الطبري والطبرسي والبغوي والخازن وابن كثير والزمخشري والنسفي إلخ.
(٣) انظر ابن هشام ج ٣ ص ٣٥٣- ٣٧١ وابن سعد ج ٣ ص ١٣٩- ١٥١ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٢٧٠- ٢٨٤ وتفسير الطبري وابن كثير والخازن والطبرسي والزمخشري والبغوي.