فرجا ومخرجا «١». إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا نغدر بهم. ومما اتفق عليه أن تخيّر قبيلتا خزاعة وبني بكر اللتان كانتا نازلتين حول مكة وبينهما عداء في الانضمام إلى أي طرف من الطرفين فتكونا داخلتين في عقد الصلح فانضمت خزاعة إلى طرف النبي ﷺ وانضمت بنو بكر إلى طرف قريش. وروي كذلك أن النبي حينما أخذ يملي العقد على علي بن أبي طالب هكذا (هذا ما تم عليه الاتفاق بين محمد رسول الله) اعترض سهيل وأبى أن يذكر محمد إلا
باسمه واسم أبيه فقط فوافق النبي ﷺ على ذلك ومحا ما كان أملاه. ومما روي أن النبي ﷺ قال في الشرط الذي شرطته قريش ردّ من يأتي إليهم من المدينة من ذهب منا مرتدا فلا رده الله ولسنا بحاجة إليه.
ومما روي من الشروط التي قبل بها النبي ﷺ قد ثقلت على فريق من المؤمنين من جملتهم عمر بن الخطاب وأذهلتهم وكادت تزيغهم. ولا سيما أنه أعلن أنه رأى في منامه أنه يزور الكعبة مع المسلمين وكانوا يعرفون أن رؤياه حقّ.
وقد راجعوه وحاوروه. ومنهم من تباطأ في تنفيذ أمره في نحر الهدي وحلق الشعر والتحلل من الإحرام. ولكنه آذنهم أنه إنما يسير بإلهام الله. وثبت نفوسهم حتى عاودتهم الطمأنينة. ولم تلبث السورة أن نزلت مثبتة مطمئنة مبشرة ومؤيدة لما فعل النبي ﷺ وأبرم. وقد ورد هذا أيضا في أحاديث صحيحة أوردناها في مقدمة السورة.

(١) من طريف ما رواه ابن هشام في سياق قصة الحديبية أن مسلما آخر اسمه أبو بصير كان محبوسا مضيقا عليه في مكة مثل أبي جندل. واستطاع أن يفلت ويلتحق بالنبي في المدينة بعد قليل من عودته من الحديبية وأرسلت قريش تطالب النبي برده حسب العهد فقال له رسول الله ما قاله لأبي جندل وسلمه للرسول الذي جاء من قريش. واستطاع في الطريق أن يغتال هذا الرسول وينجو ويعود ثانية إلى المدينة وقد روي أن النبي ﷺ لما علم بما فعل قال (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد) على أن النبي ﷺ لم يؤوه لئلا يعتبر ذلك نقضا منه فخرج إلى جهة مكة وأخذ يجتمع إليه أمثاله حتى بلغوا سبعين وصاروا يضيقون على قريش. لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه. ولا تمر بهم عير إلا اقتطعوها حتى كتبت قريش للنبي تقول له: لا حاجة لنا بهم وتسأله بأرحامها إلا أن آواهم وزواهم عنهم.


الصفحة التالية
Icon