ومما قيل وهو غريب: إن الذنب المقصود هو ذنب آبائه من لدن آدم وذنوب أمته. ومما رواه المفسر الطبرسي الشيعي عن جعفر الصادق وأبي عبد الله من الأئمة وهو أغرب، قولهم «والله ما كان له ذنب ولكن الله سبحانه ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة علي ما تقدم منها وما تأخر» ! وما عدا القولين الأخيرين الغريبين فإن كلا من الأقوال الأخرى لا يخلو من وجاهة وإن كان الأوجه فيما نرى هو (ما كان وما يمكن أن يكون من سهو وغفلة واجتهاد يكون غير الأولى في علم الله). فلفظ الذنب في حق النبي ﷺ يجب في الحقيقة أن يصرف إلى ما كان يقع وما يمكن أن يقع منه من مثل ذلك مما لم يكن فيه وحي ومن غير قصد الإثم. وروح الفقرة وإطلاقها حتى تتناول السابق واللاحق تلهم هذا المعنى. ولقد وردت في القرآن آيات فيها إشارات إلى وقوع مثل ذلك وعتاب عليه وأمر للنبي بالاستغفار فيه على ما جاء في آيات سورة عبس [١- ١٠] والنساء [١٠٦- ١٠٩] والأنفال [٦٧- ٦٩] والتوبة [٤٣ و ١١٣] ومحمد [١٩] وغافر [٥٤] على سبيل العظة والتعليم والتنبيه ولما يقتضيه مقام النبوة وجلالها.
وفي الإيذان هنا بغفرانها للنبي ﷺ سواء ما كان منها قبل وما يمكن أن يكون منها بعد ينطوي تدعيم لذلك حيث علم الله تعالى أن النبي ﷺ لا يمكنه كبشر أن يتفادى مثل هذه الاجتهادات أو لا يقع منه غفلة وسهو. أما الإثم المقصود فالنبي ﷺ معصوم عنه قطعا بما كان من نعمة الله عليه بالاصطفاء والارتفاع إلى مقام النبوّة وما كان عليه من عظمة الخلق التي نوّه بها القرآن بأساليب متنوعة وفي مواضع عديدة.
على أنه مما يتبادر لنا أن الجملة وسائر الآية الثانية والآية الثالثة معا قد جاءت بسبيل توكيد خطورة ما تمّ. وبعد مداه وفوائده. وبسبيل البشرى والتطمين والتثبيت والتأييد الرباني للنبي ﷺ في الموقف الذي وقفه من بدئه إلى نهايته. والله
أعلم.


الصفحة التالية
Icon