والإنذار والتبشير الذي احتوته الآية لتسكين نفوسهم من جهة وليكون خطة لهم في المستقبل من جهة أخرى.
ومما روي عن دواعي هذه البيعة أنه لما شاع أن قريشا قتلت أو حبست عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي أرسله رسول الله ﷺ إليهم قال النبي «لا نبرح حتى نناجز القوم» ودعا من خرج معه إلى بيعته على الموت في رواية وعلى عدم الفرار في رواية أخرى، واستظل في ظل شجرة من السمر فأقبلوا عليه يبايعونه ولم يتلكأ أو يتخلّف أحد إلّا شخص واحد روي أنه كان ينشد ناقة له قد ضلّت «١».
ومما روي أن النبي ﷺ قال اللهمّ إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت إحداهما عن عثمان.
ولقد كان الموقف خطيرا ورائعا معا. فالذين خرجوا مع النبي ﷺ لم يخرجوا إلى قتال ولم يكونوا في عدّة وعدّة أعدائهم الأشداء والذين تكررت بينهم وقائع الحرب واشتدت بسببها الأحقاد والأضغان. ثم هم بعيدون عن عاصمتهم بينما عدوهم في عاصمته وفي متناوله ما قد يساعده على النصر. ولقد كانوا بين أمرين: إما الثبات والاستماتة حتى يحكم الله. وإما النكوص على الأعقاب من وجه عدوّهم بسبب إصراره وصدّه، فاختاروا الأول وسارعوا إلى مبايعة النبي فأثبتوا بذلك رسوخ إيمانهم وثقتهم بالله ورسوله وابتغاءهم وجه الله ورضاءه، ورضاءهم بكل تضحية في سبيل ذلك فاستحقوا الثناء المحبب والبشرى العظيمة التي احتوتها الآية [١٨] من هذه السورة لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً.
ومما لا ريب فيه أن هذا الموقف جدير أن يعدّ من المواقف الحاسمة الموفقة في تاريخ الدعوة الإسلامية إذ كان من المحتمل جدا أن يكون لرجوعهم ونكوصهم من أمام أعدائهم الأشداء آثار خطيرة في هذا التاريخ. ولا نشك في أن

(١) انظر تفسير ابن كثير الذي أورد أحاديث عديدة في صدد البيعة، منها ما ذكر أنها كانت على الموت ومنها ما ذكر أنها كانت على عدم الفرار.


الصفحة التالية
Icon