ورابعا: قيل إن جملة وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ تعني أن ما كان من تيسير الله لصلح الحديبية وكفّ أيدي الناس عن المؤمنين قد كان آية ربانية ليعتبر بها المؤمنون ويتيقنوا من أن ما كان هو بتيسير ونصر من الله. ووجاهة القول ظاهرة.
وخامسا: قيل إن جملة وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها تعني مكة وفتحها، كما قيل إنها إشارة إلى ما سوف ييسر الله للمسلمين من نصر وفتح في مختلف الظروف أو فتح بلاد فارس والروم. وقيل أيضا إنها خيبر قبل أن يزحفوا عليها.
وكل من الأقوال الثلاثة وارد لا يخلو من وجاهة. وإن كنا نرجح القول الثاني من حيث كون المسلمين لم يقدروا في سفرتهم على دخول مكة فاقتضت حكمة التنزيل تطمينهم بأن الله قد أحاط بها ولسوف يقدرهم عليها. وعلى كل حال ففي الجملة تثبيت وتطمين للمسلمين من جهة وبشرى تحققت فكانت من معجزات القرآن سواء أكان المقصود منها مكة أم خيبر أم غيرهما.
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٢٣)
. عبارة الآيتين واضحة أيضا: وهي استمرار للخطاب الموجه إلى المؤمنين في الآيتين السابقتين لهما مباشرة حيث تؤذنانهم بأن الكفار لو قاتلوهم لولوا الأدبار ولما وجدوا لهم وليّا ولا نصيرا ينصرونهم من الله. وبأن هذه هي سنّة الله التي جرت من قبل ولن يكون لها تبديل بالنسبة إليهم.
والآيتان والحالة هذه جزء من السياق. وقد استهدفتا ما استهدفته الآيات السابقة من تثبيت وتطمين.
ومن المفسرين من قال إن الَّذِينَ كَفَرُوا هم أهل مكة «١». ومنهم من قال

(١) الطبرسي وابن كثير.


الصفحة التالية
Icon