مني فلم تلبث الآيتان أن نزلتا»، ويروي الطبري صيغا أخرى مما قاله النبي ﷺ للجماعة. منها «إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد. شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم» ومنها «لا آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا» ومنها «ليس في ديني ترك النساء واللحم واتخاذ الصوامع». وهذه الروايات كسبب لنزول الآيات لم ترد في الصحاح. وقد وردت أحاديث صحيحة فيها شيء مما في هذه الروايات دون ذكر كون الآيات نزلت في مناسبتها. من ذلك حديث رواه الشيخان والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو قال «أخبر رسول الله ﷺ أني أقول لأقومنّ الليل ولأصومنّ النهار ما عشت. فقال رسول الله أأنت تقول ذلك. فقلت قد قلته يا رسول الله.
فقال إنك لن تستطيع. فصم وأفطر. وقم ونم. فإنّ لجسدك عليك حقا وإن لعينيك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا»
«١» وروى الشيخان والنسائي عن أنس قال «جاء إلى بيوت النبي ﷺ ثلاثة رهط يسألون عن عبادة النبي فلما أخبروا كأنهم تقالّوها فقالوا وأين نحن من النبي ﷺ فقد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر. فقال أحدهم أما أنا فإني أصلّي الليل أبدا. وقال آخر إني أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا. أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلّي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» «٢» وروى أبو داود عن عائشة «أن النبي ﷺ بعث إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال يا عثمان أرغبت عن سنتي قال لا والله يا رسول الله ولكني سنّتك أطلب قال فإني أنام وأصلّي وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان. فإن لأهلك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا فصم وأفطر وصلّ ونم» «٣» وهناك حديث رواه الترمذي عن ابن عباس يذكر سبب نزول الآية جاء فيه «جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال

(١) التاج ج ٢ ص ٩٠ و ٩١.
(٢) المصدر نفسه ص ٢٥٤ ومعنى تقالوها استقلّوها.
(٣) المصدر نفسه ص ٩٢ وعثمان بن مظعون أحد الحالفين والناذرين على ما جاء في الرواية الأولى.


الصفحة التالية
Icon