حكمة التنزيل أن تنزل آية أخرى مع آية التوبة وهي: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤). فعدم التأسي وجب بناء على ذلك وليس بناء على الآية التي نحن في صددها كما يبدو ذلك بكل قوّة من آيتي سورة التوبة. والله أعلم.
ولأهل التأويل من التابعين تخريجان لجملة: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا على ما ذكره المفسرون. أحدهما أنها بمعنى (ربنا لا تصبنا ببلاء وعذاب لئلا يقولوا إنهم لو كانوا على حقّ لما أصابهم هذا البلاء والعذاب من الله) فيكون بذلك فتنة لهم تجعلهم يستمرون على كفرهم. وثانيهما بمعنى (ربنا لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك ويقولوا لو كانوا على حقّ لما غلبناهم) وكلا التخريجين وجيه.
[سورة الممتحنة (٦٠) : الآيات ٧ الى ٩]
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩)
. تعليق على الآية عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً... إلخ والآيتين التاليتين لها وما فيها من صور وأحكام وتلقين
عبارة الآيات واضحة. وقد انطوى في الآية الأولى تأميل للمؤمنين الذين وجّه الخطاب إليهم بأن يجعل الله بينهم وبين من عادوهم مودّة بعد العداء وتواصلا بعد الجفاء والقطيعة: فالله قدير على ذلك. وهو غفور رحيم يغلب غفرانه ورحمته في معاملة الناس. وفي الآيتين الثانية والثالثة تنبيه تقريري بأن الله لا ينهاهم عن البرّ والإقساط وحسن التعامل مع الذين لم يقاتلوهم ولم يعتدوا على حريتهم ولم