الشروط وبخاصة في عدم إرجاع من يأتي إليهم من ناحية المشركين مقابل عدم إرجاع هؤلاء من يأتي إليهم من ناحية المسلمين مما كان مثيرا لنفوس بعض المسلمين على ما شرحناه في سياق تفسير سورة الفتح.
ولقد روى المفسرون «١» روايات عديدة في كيفية الامتحان الذي أمرت الآية الأولى به. منها أن النبي ﷺ كان يحلّف المرأة بالله أنها ما خرجت من بغض زوج ولا لالتماس دنيا وإنما خرجت حبّا لله ورسوله. ومنها أنه كان يحلّفها بأنها لم تخرج إلّا للدين. ومنها أنه كان يطلب منها بيعة بصيغة الآية التالية للآيتين. وهي «أن لا تشرك بالله شيئا ولا تسرق ولا تزني ولا تقتل أولادها ولا تأتي ببهتان تفتريه بين يديها ورجليها ولا تعصيه في معروف». وهذه الرواية بخاصة من مرويات البخاري والترمذي في سياق تفسير الآية عن عائشة حيث قالت: «إنّ رسول الله ﷺ كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية» «٢» ونحن نرجح هذه الرواية لأنها أوثق سندا وبقرينة ورود الآية التي تحتوي الصيغة بعد الآيتين. ولعلّها نزلت معهما.
ولقد انطوى في الآيتين صور عديدة من صور السيرة النبوية في العهد المدني زادتها الروايات جلاء:
(١) من ذلك أن بعض النساء المكيّات اللاتي أسلمن ولم يستطعن الهجرة وظلّت المتزوجات منهن في كنف أزواجهم المشركين كنّ يتحيّنّ الفرصة للهجرة إلى النبي ﷺ تاركات وطنهنّ وأهلهنّ وأزواجهنّ على ما كان يحفّ هذا العمل من أخطار ومصاعب. وفي هذا صورة رائعة للمرأة العربية ودورها في الدعوة الإسلامية وما بثّه الإسلام فيها من قوة وإخلاص وجرأة وإقدام وتضحية.
(٢) ومن ذلك أن بعض زوجات المهاجرين تخلّفن عن أزواجهنّ محتفظات بشركهن. ومؤثرات أهلهنّ على أزواجهنّ، وممن روت الروايات أسماءهن قريبة

(١) انظر الطبري والبغوي والزمخشري وابن كثير والطبرسي والخازن.
(٢) انظر التاج ج ٤ ص ٢٣٣.


الصفحة التالية
Icon