صيغة امتحان لهن على ما ورد في حديث عائشة الصحيح ووضعت بعد الآيتين اللتين ذكرتا حادث مجيئهن للتناسب الموضوعي وهو ما نرجحه. وتكون الآية مظهرا جليلا آخر من مظاهر عناية القرآن بالمرأة المسلمة وتقرير شخصيتها وأهليتها للتكليف والخطاب والتعامل استقلالا مما فيه معنى تقرير كونها ركنا في الدولة الإسلامية كالرجل سواء بسواء. ومما فيه معنى دعم لكون قوامة الرجل عليها التي قررتها آية سورة النساء [٣٤] هي منحصرة في الحياة الزوجية على ما شرحناه في سياقها شرحا يغني عن التكرار، وفي هذا ما فيه من روعة وجلال. على أنه لو صح الوارد الأول بكون الآية نزلت مع الآيتين السابقتين فإن هذا المظهر الجليل البعيد المدى والقوي الدلالة في نطاق شرحنا الآنف يظل ملموحا في الآية بكل روعته وجلاله.
ولقد روى ابن هشام أن النبي ﷺ أخذ البيعة من أول رهط أسلم من الأوس والخزرج قبل الهجرة إلى المدينة بصيغة هذه الآية «١». وروى الطبري عن أم عطية أن النبي ﷺ بعد مقدمه إلى المدينة جمع طائفة من نساء الأنصار في بيت وجاء إليهن مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسلّم عليهن من وراء البيت وقال: أنا رسول الله، فقلن: مرحبا وحبّا، فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا، إلى جملة ولا تعصين في معروف، قلن: نعم. فمدّ يده من خارج الباب أو البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال: اللهمّ فاشهد.
ولقد روى المفسرون أن النبي ﷺ عقب فتح مكة أخذ البيعة من الرجال ثم أخذ البيعة من النساء، وأن صيغة بيعة النساء كانت صيغة الآية. ومن طريف ما روي في صدد ذلك أن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان من جملة من أقبل من نساء قريش على مبايعة النبي ﷺ وكانت متنكرة لأنها حسبت أن يكون النبي ﷺ حاقدا عليها وقد يقتلها لما فعلته في عمّه حمزة رضي الله عنه يوم أحد. حيث روي أنها بقرت بطنه وأخذت قطعة من قلبه أو كبده فلاكتها شفاء لنفسها من قتل أبيها