البنات وتفاديا من غضب أزواجهن. ولقد ندد القرآن المكي بوأد البنات في الآية [٨] من سورة التكوير والآية [٥٩] من سورة النحل. ونهى عن قتل الأولاد من إملاق أو خشية إملاق في الآية [٣١] من سورة الإسراء والآية [١٥١] من سورة الأنعام، فجاءت الآية هنا مطلقة لتؤيد الأمرين معا. فيتساوق في ذلك القرآن المدني مع القرآن المكي.
وفي فقرة وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ تلقين جليل بالنسبة لظروف نزول الآية وبالنسبة لواجب المسلمين نحو أولياء أمورهم وواجب هؤلاء نحو المسلمين.
حيث قرن النهي عن عصيان النبي ﷺ بتعبير فِي مَعْرُوفٍ للإيذان بأنه ليس من حق ولي الأمر أن يأمر بمعصية، وأن ينتظر من الناس طاعة مطلقة بدون قيد. وبأن الطاعة الواجبة عليهم هي فيما هو متعارف عليه أو معروف بأنه خير وصلاح ومفيد ولا إثم فيه ولا منكر ولا عدوان- ولو كان النبي- وهذا من باب التعليم والتوكيد على هذا المبدأ الدستوري القرآني لأن النبي ﷺ معصوم عن الأمر بمعصية أو بما ليس فيه صلاح وخير وفائدة.
وقد سبق قيد قريب من هذا في إحدى آيات سورة الأنفال [٢٤] التي تأمر المؤمنين بالاستجابة إلى الرسول إذا دعاهم لما فيه خيرهم وحياتهم. فهذا القيد وذاك ينطويان على مبدأ دستوري قرآني عام بسبيل تنظيم الحقوق بين المسلمين وأولياء أمورهم. وبسبيل تقرير كون الحكم في الإسلام ليس مطلقا وإنما هو مقيد بأحكام الكتاب والسنّة وبما فيه الخير والحقّ والصلاح. وقد انطوى في آية سورة النساء [٥٩] حلّ دستوري لذلك فيما إذا قام نزاع عليه بين المسلمين أو بين المسلمين وأولياء أمورهم وهو ردّ النزاع إلى الله ورسوله أي إلى كتاب الله وسنّة رسوله على ما شرحناه في سياقها. وهناك حديث رواه الخمسة عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» «١». حيث ينطوي فيه تدعيم حاسم.