المدينة مسلما باختياره وعن قناعة «١». ورسخ في الإسلام مع الأيام حتى صار من أقوى أصحاب رسول الله ﷺ إيمانا وإخلاصا وجهادا.
ومهما يكن من أمر فإن الآيات احتوت صورا من صور السيرة النبوية في العهد المدني ولو لم تكن بارزة الخطوط. وإن أسلوبها ومضمونها وروحها معا تلهم أنها استهدفت تقرير تقصير المخاطبين وترددهم في الإخلاص التام في الإيمان والطاعة والاستجابة والإنفاق. وقصد التنديد بهم. والتنبيه على أنهم لا عذر لهم في ذلك ولا سيما أن رسول الله ﷺ بين ظهرانيهم يتلو عليهم آيات الله ويبلغهم وحيه. وقد احتوت أسلوبا من أساليب معالجة الموقف وتهذيب أخلاق المسلمين وتنقيتها وتطهيرها ودعوة قوية إلى الإنفاق والجهاد وتصديق رسول الله والفناء فيه. كما احتوت في الوقت نفسه تنويها بالرعيل الأول السابقين وما كان منهم من تفان وإخلاص وتضحيات وبذل في أصعب الظروف وأخطر المواقف هو بمثابة تسجيل لذلك وأسباب لما قرره الله تعالى من رضائه عنهم في الآية [١٠٠] من سورة التوبة التي سبقت الإشارة إليها. ولقد احتوت الآيات التي أوردنا أرقامها قبل قليل وغيرها مثل آيات سورة البقرة [٢٠٤- ٢٠٦] وآل عمران [١٣٨- ١٦٨] والنور [٤٧- ٥٤] والمجادلة [٨- ٩] والصف [٢- ٣] صورا أوضح يمكن أن تتضح بها تلك الصور. وجميعها قد مرّ تفسيرها وشرحها. وفي سورة التوبة آيات أخرى فيها مثل هذه الصور بل آيات فيها تصنيف رائع لواقع الجماعات الإسلامية في أواخر حياة النبي ﷺ على ما سوف نشرحه في مناسباتها.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها الطبري وغيره من المفسرين «٢» عن التابعين من أهل التأويل في جملة: وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ حيث قال بعضهم: إنها تعني العهد الذي أخذه الله على ذرية آدم والذي ذكره في آية سورة الأعراف هذه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا... [١٧٢]. وحيث قال بعضهم إنها تعني ما أودع الله فيهم من عقول
(٢) انظر أيضا البغوي والخازن والزمخشري وابن كثير والطبرسي.