ولقد كان من بركات صلح الحديبية أن ازدادت قوة النبي والمسلمين واتسعت دائرة الإسلام وتمكن النبي من خضد شوكة اليهود في مستعمراتهم خارج المدينة. ولقد كان ضعف قريش يزداد موازيا لازدياد قوة النبي واتساع دائرة الإسلام فكان هذا الزحف العظيم الذي زحف النبي ﷺ على رأسه بعد سنتين من ذلك الصلح، بعد أن زحفت قريش وحلفاؤها في السنة الخامسة على المدينة بزحف مماثل فكان ما عرف في تاريخ السيرة بوقعة الأحزاب التي أشير إليها في سورة الأحزاب.
ولقد انهدم بفتح مكة السدّ الذي كان بين النبي ﷺ والإسلام وبين سائر العرب فتدفق سيل وفودهم بعده على النبي ﷺ من كل ناحية من أنحاء جزيرة العرب. ودخل معظم اليمن في دين الله وسلطانه بالإضافة إلى معظم شمال الجزيرة وشرقها وسار النبي ﷺ على رأس ثلاثين ألفا نحو مشارف الشام فيما سمي في تاريخ السيرة بغزوة تبوك، فوطّد هيبة السلطان الإسلامي في هذه المشارف وأخذ الإسلام ينتشر بين قبائلها وكانت هذه الغزوة من خطوات حركة الفتح الكبرى التي تمّت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد أخذ الأنصار يتساءولون عما إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم- وقد نصره الله على قريش ويسّر له فتح مكة أم القرى- يعود ثانية إلى المدينة أم يبقى في مكة ويتخذها مقرا له فبلغ ذلك النبي ﷺ فجمع زعماءهم وقال لهم «معاذ الله. المحيا محياكم.
والممات مماتكم» حيث سجّل بهذا الموقف تقديره العظيم لما كان من نصرهم له وإيوائهم لأصحابه المهاجرين ولما كان للهجرة إلى المدينة من بركات عظمى كان هذا الفتح من بعضها.
وقد عيّن النبي ﷺ فتى من فتيان مكة اسمه عتّاب بن أسيد واليا. وكان في اختياره دون المسنين من رجال مكة الحكمة والسداد. وكان من بني أمية فأراد مع ذلك أن يتألف قلوبهم. ومن طريف ما روي أن النبي ﷺ عيّن لهذا الوالي درهما كل يوم لنفقته فقام خطيبا وقال: «يا أيّها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم.