ولقد ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وأوردناه قبل أن عليّا أمر بأن ينادي فيما أمر به «من كان بينه وبين النبيّ عهد فهو إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر» ونحن نتوقف في أن يكون مدى الحديث هو الأمر بالقتال بعد انقضاء الأربعة أشهر عام ضد من لم يكن عهد من المشركين مطلقا ولو لم يكن عدوا معتديا بناء على ما شرحناه قبل. والله أعلم.
ولقد وقف الطبري عند الرواية التي تذكر أن الإعلان يوم الحجّ الأكبر كان فيه إمهال للمشركين أربعة أشهر. ورأى فيها تعارضا مع عبارة فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا... لأنه لم يكن بين الإعلان وبين نهاية الأشهر الحرم إلا خمسون يوما وقال إن في هذه الرواية وهما. وأورد صيغة أخرى للحديث المروي عن علي رواها من طرق متعددة وهي «أمرت بأربع. أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك. ولا يطوف رجل بالبيت عريانا. ولا يدخل الجنة إلّا كل نفس مسلمة. وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده» ومما قاله أن الآيات نزلت في شوال وبانتهاء الأشهر الحرم تكون مهلة الأشهر الأربعة المذكورة في الآية الثانية قد انتهت. والمتبادر أن فيما يسوقه الطبري صوابا وسدادا. لأن به وحده يزول وهم التعارض بين نصوص القرآن وبين بعض الأحاديث والروايات. والله تعالى أعلم.
وقد ترد مسألتان في صدد ما ينطوي في الآيتين من أحكام. أولاهما: أن الاستثناء الوارد في أولى الآيتين محدد بانقضاء مدة العهد فهل يكون المعاهدون من المشركين حين انقضاء هذه المدة موضع براءة الله ورسوله ويجب قتالهم؟
وكلام المفسرين ينطوي على الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب. ولم نطلع على أثر نبوي وثيق في هذا الصدد. ونرى أن كلام المفسرين يصح أن يكون محل توقف إذا أريد به الإطلاق. وأن الأمر يتحمل شيئا من التوضيح: فالمعاهدون إما أن يكونوا أعداء للمسلمين قبل العهد وقد وقع حرب وقتال بينهم ثم عاهدهم المسلمون كما كان شأن قريش وصلحهم مع النبي ﷺ في الحديبية. وإما أن يكونوا قد رغبوا في موادعة المسلمين ومسالمتهم دون أن يكون قد وقع بينهم عداء