يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ
تعني فتح مكة. وروى البغوي أن الآيات في شأن الذين تخلفوا عن الهجرة بعد الفتح تعلقا بأبنائهم وأزواجهم وأموالهم والذين نزلت فيهم وفي أمثالهم جملة وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا في الآية [٧٢] من سورة الأنفال. كما روي أنها في صدد النهي عن موالاة تسعة من المسلمين ارتدّوا ولحقوا بمكة. وروى هذا المفسر عن الحسن أن الجملة المذكورة آنفا هي إنذار بعقوبة عاجلة أو آجلة إطلاقا. وروى الطبرسي أن الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين أرسل إلى أهل مكة ينذرهم بعزم النبي ﷺ على غزوهم. وليس شيء من هذه الروايات واردا في الصحاح وهي لا تنطبق على فحوى الآيات وروحها. وفي الآيات التالية لها دليل قاطع على أنها نزلت بعد فتح مكة لا قبله كما تذكر الروايات أو تقتضيه. لأنها تذكّر المؤمنين بما كان من نصر الله لهم في يوم حنين بعد هزيمتهم على سبيل تدعيم النهي. ويوم حنين إنما كان بعد فتح مكة. ومن العجيب أن لا ينتبه الرواة والمفسرون إلى ذلك.
والصورة التي يمكن أن تنطوي في الآيات هي أنه كان لبعض المؤمنين بعد الفتح المكي أقارب ما زالوا على شركهم، وكان المؤمنون يتواصلون معهم ويعتبرونهم عصبيتهم. ومن المحتمل أن يكون لبعضهم في المكان الذي هاجروا منه أموال وأراض فكانوا يتطلعون إليها ومنهم من حاول الالتحاق بها. ومن المحتمل أن يكون هؤلاء من أهل مكة أو من القبائل المجاورة لها أو من القبائل التي لم تكن أسلمت من أطراف المدينة. ومن المحتمل أن تكون الظروف اقتضت أن يسيّر النبي ﷺ بعض سراياه عليهم فاعترض أقاربهم المؤمنون أو أظهروا عصبيتهم نحوهم فاقتضت الحكمة إنزال الآيات بالأسلوب القوي الذي جاءت به ليكون زاجرا وحاسما في توطيد الرابطة الدينية والكيان الإسلامي دون أي اعتبار لشيء آخر من صلات وأنساب ومنافع.
والآيات مطلقة العبارة وعامة الهدف والتقرير والتلقين مع خصوصيتها الزمنية والموضوعية. فصحة إيمان المؤمن منوطة بأن يكون الله ورسوله والجهاد في سبيله