ومن الحق أن نستدرك في هذا الصدد أمرا وهو مدلول (الأولياء) في الآيات التي نحن في صددها من حيث كونه يعني التحالف والتناصر. بحيث يمكن أن يقال إن حكم آية سورة الممتحنة لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) لم يتعطل بالآيات التي نحن في صددها وإنه ليس فيها ما يمنع البرّ بالوالدين والأقارب والإقساط إليهم فضلا عن غيرهم ولو كانوا كفارا إذا كانوا موادّين مسالمين كافّين ألسنتهم وأيديهم عن الإسلام والمسلمين.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا رواه الإمام أحمد عن زهرة بن معبد عن جده قال: «كنّا مع رسول الله ﷺ وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال والله يا رسول الله لأنت أحبّ إليّ من كل شيء إلا من نفسي فقال رسول الله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه فقال عمر فأنت الآن والله أحبّ إليّ من نفسي فقال رسول الله الآن يا عمر». وحديثا رواه البخاري عن النبيّ ﷺ قال:
«والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين» وهذا الحديث رواه الشيخان والنسائي أيضا «١» وهناك حديث آخر من بابه رواه الثلاثة ومنهم الترمذي عن أنس عن رسول الله ﷺ قال: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه من سواهما وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلا لله تعالى وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار» «٢» حيث ينطوي في الأحاديث تنبهات نبوية متساوقة مع مدى الآية.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧).

(١) التاج ج ١ ص ٢٢.
(٢) المصدر نفسه.


الصفحة التالية
Icon