عدد الذين شهدوا هذا الحج بضعف هذا العدد وهو رقم عظيم جدّا في ذلك الوقت.
وخبر حجة الوداع ورد مطولا بطرق مختلفة في كتب الحديث والسيرة والتاريخ القديمة مرويّا عن التابعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روى مسلم وأبو داود حديثا طويلا فيه وصف شائق لموكب الحجّ وكثير من أفعال وأقوال ومواقف رسول الله ﷺ التعليمية والتوضيحية والتشريعية والتهذيبية. فرأينا إيراده برمته. وهو مروي عن صاحب رسول الله جابر بن عبد الله في أيام شيخوخته جوابا على سؤال من أحد التابعين. وهذا نصه «١» «إن رسول الله ﷺ مكث تسع سنين لم يحجّ «٢» ثم أذّن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله ويعمل مثل عمله. وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس «٣» محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واستثفري «٤» بثوب وأحرمي. فصلّى رسول الله في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مدّ بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به. فأهلّ لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وأهلّ الناس بهذا الذي يهلّون به فلم يردّ رسول الله عليهم شيئا منه. ولزم رسول الله تلبيته. قال جابر: لسنا ننوي إلّا الحج لسنا نعرف العمرة «٥» حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى
(٢) المحقق أن النبي ﷺ زار الكعبة في السنة السابعة الهجرية بناء على اتفاقه مع قريش. ولم يكن وقت الزيارة وقت الحج.
(٣) زوجة أبي بكر الصديق.
(٤) بمعنى تحفظي من وسخ الدم.
(٥) هذا غريب لأن العمرة ذكرت في الآيتين [١٥٨ و ١٩٦] من سورة البقرة. والعمرة هي زيارة الكعبة والطواف حولها والأمر الرئيسي للحج هو الوقوف في عرفة فلعله أراد أن خروج الناس إنما كان للحج في الدرجة الأولى.