وأنه بعد نحر الهدي حلق رأسه وأخذ شاربه وعارضيه وقلّم أظفاره وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن ثم أصاب الطيب ولبس القميص ونادى مناديه «إن أيام منى هي أيام أكل وشرب» ثم أقام ثلاث ليال في مكة وقال: إنما هن ثلاث يقيمهن المهاجر بعد الصدر. ثم ودّع البيت وانصرف راجعا إلى المدينة. وروي في الفصل جواب لأنس بن مالك على سؤال عمّا إذا كان النبي ﷺ أهلّ بالعمرة والحجّ معا أم أفرد؟
فقال إنه أهلّ بهما معا. وهذا هو المستفاد من الحديث الطويل السابق. ومما ورد في الفصل أن النبي ﷺ جعل للمسلمين الخيار بالإفراد بين العمرة والحجّ أو القران بينهما. وقال لمن سألوه: من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة. وتمتّعوا بالعمرة إلى الحج. وأنه دخل الكعبة بعد أن خلع نعليه ولما عاد إلى أهله قال لعائشة فعلت أمرا ليتني لم أفعله دخلت البيت ولعلّ الرجل من أمتي لا يقدر على أن يدخله فينصرف وفي نفسه حزازة. إنما أمرنا بالطواف ولم نؤمر بالدخول. وقال حين وقف في عرفات «الحجّ عرفات أو يوم عرفة. من أدرك ليلة جمع «١» قبل الصبح فقد تمّ حجّه» وقال في موقف آخر «أيام منى ثلاثة فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه. وإنها ليست أيام صيام إنما هي أيام أكل وشرب وذكر» ومما روي من أقواله في خطبة الوداع «إن الله قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث فلا يجوز لوارث وصية. ألا وإن الولد للفراش وللعاهر الحجر. ألا ومن ادّعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه رغبة عنهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. يا أيها الناس اسمعوا وأطيعوا وإن أمّر عليكم عبد حبشي مجدع إذا أقام فيكم كتاب الله. أرقّاءكم أرقّاءكم. أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون.
وإن جاءوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم. ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب فلعلّ بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه» وقال لبعض المسلمين حين رآه يتشدد في اختيار الجمرات «إيّاكم والغلوّ في الدين إنما أهلك من كان قبلكم. بالغلوّ في الدين».