[مَرْيَمَ: ٨١- ٨٢] وَقَالَ الْخَلِيلُ لِقَوْمِهِ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٢٥] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ. وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [سَبَأٍ: ٣١- ٣٢- ٣٣] وَقَالَ تَعَالَى: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٢].
وَقَوْلُهُ: وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ أَيْ عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْحِيَلُ وَأَسْبَابُ الْخَلَاصِ وَلَمْ يَجِدُوا عَنِ النَّارِ مَعْدِلًا وَلَا مَصْرِفًا. قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ قَالَ الْمَوَدَّةُ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ «١».
وَقَوْلُهُ: وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا أَيْ لَوْ أَنَّ لَنَا عَوْدَةً إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا حَتَّى نَتَبَرَّأَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَمِنْ عِبَادَتِهِمْ، فَلَا نَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ بَلْ نُوَحِّدُ اللَّهَ تَعَالَى عَنْهُمْ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ أي تذهب وتضمحل كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الْفُرْقَانِ: ٢٣] وَقَالَ تَعَالَى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ [إِبْرَاهِيمَ: ١٨]، وَقَالَ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً [النُّورِ: ٣٩]، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:
وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٨ الى ١٦٩]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (١٦٩)
لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَنَّهُ الْمُسْتَقِلُّ بِالْخَلْقِ، شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ الرزاق لجميع خلقه، فذكر فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ فِي حَالِ كَوْنِهِ حَلَالًا مِنَ اللَّهِ طَيِّبًا، أَيْ مُسْتَطَابًا فِي نَفْسِهِ غَيْرَ ضَارٍّ لِلْأَبْدَانِ وَلَا لِلْعُقُولِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَهِيَ طَرَائِقُهُ وَمَسَالِكُهُ فِيمَا أَضَلَّ أَتْبَاعَهُ فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْبَحَائِرِ والسوائب والوصائل ونحوها، مما كان زَيَّنَهُ لَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، كَمَا فِي حَدِيثِ عياض بن حماد الذي في صحيح

(١) تفسير الطبري ٢/ ٧٦.


الصفحة التالية
Icon