وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا كَانَ مِنْ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ فِي غَضَبٍ، فَهُوَ مِنْ خطوات الشيطان، وكفارته كفارة يمين.
وَقَوْلُهُ: إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَيْ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ عَدُوُّكُمُ الشَّيْطَانُ بِالْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ، وَأَغْلَظُ مِنْهَا الْفَاحِشَةُ كَالزِّنَا وَنَحْوَهُ، وَأَغْلَظُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، فَيَدْخُلُ فِي هذا كل كافر وكل مبتدع أيضا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٠ الى ١٧١]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)
يَقُولُ تَعَالَى: وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَاتْرُكُوا مَا أنتم عليه مِنَ الضَّلَالِ وَالْجَهْلِ، قَالُوا فِي جَوَابِ ذَلِكَ: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا، أَيْ وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، أَيْ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ أَيِ الَّذِينَ يَقْتَدُونَ بِهِمْ وَيَقْتَفُونَ أَثَرَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ فَهْمٌ وَلَا هِدَايَةٌ.
وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْيَهُودِ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ «١».
ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ تَعَالَى مَثَلًا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ [النَّحْلِ:
٦٠] فَقَالَ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ وَالْجَهْلِ كَالدَّوَابِّ السَّارِحَةِ التِي لَا تَفْقَهُ مَا يُقَالُ لَهَا بَلْ إِذَا نَعَقَ بها راعيا، أَيْ دَعَاهَا إِلَى مَا يُرْشِدُهَا لَا تَفْقَهُ مَا يَقُولُ وَلَا تَفْهَمُهُ بَلْ إِنَّمَا تَسْمَعُ صَوْتَهُ فَقَطْ. هَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوَ هَذَا. وَقِيلَ: إِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لَهُمْ فِي دُعَائِهِمُ الْأَصْنَامَ التِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ ولا تعقل شيئا واختاره ابْنُ جَرِيرٍ «٢»، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا وَلَا تَعْقِلُهُ وَلَا تُبْصِرُهُ وَلَا بَطْشَ لَهَا وَلَا حَيَاةَ فِيهَا.
وَقَوْلُهُ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ أَيْ صُمٌّ عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ، بُكْمٌ لَا يَتَفَوَّهُونَ بِهِ، عُمْيٌ عَنْ رُؤْيَةِ طَرِيقِهِ وَمَسْلَكِهِ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ أَيْ لَا يعلمون شيئا ولا يفهمونه.
(٢) تفسير الطبري ٢/ ٨٦.