عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» «١» وَقَوْلُهُ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ فِيهِ قَوْلَانِ: [أَحَدُهُمَا] ولا مجادلة في وقت الحج في مَنَاسِكِهِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ أَتَمَّ بَيَانٍ، وَوَضَّحَهُ أَكْمَلَ إِيضَاحٍ، كَمَا قَالَ وَكِيعٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ أَشْهُرَ الْحَجِّ فَلَيْسَ فِيهِ جِدَالٌ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قَالَ: لَا شَهْرَ يُنْسَأُ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ قَدْ تَبَيَّنَ ثُمَّ ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَصْنَعُونَ فِي النَّسِيءِ الذِي ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِهِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قَالَ: قَدِ اسْتَقَامَ الْحَجُّ.
فَلَا جِدَالَ فِيهِ، وَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ. وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قَالَ: الْمِرَاءُ فِي الْحَجِّ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ فَالْجِدَالُ فِي الْحَجِّ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَقِفُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ وَغَيْرُهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، وَكَانُوا يَتَجَادَلُونَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ، فَهَذَا فِيمَا نَرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانُوا يَقِفُونَ مَوَاقِفَ مُخْتَلِفَةً يَتَجَادَلُونَ كُلُّهُمْ يَدَّعِي أَنَّ مَوْقِفَهُ مَوْقِفُ إِبْرَاهِيمَ، فَقَطَعَهُ اللَّهُ حِينَ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ بِالْمَنَاسِكِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ أَبِي صَخْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا اجْتَمَعَتْ بِمِنًى قَالَ هَؤُلَاءِ: حَجُّنَا أَتَمُّ مِنْ حَجِّكُمْ، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: حَجُّنَا أَتَمُّ مِنْ حجكم، وقال حماد بن سلمة، عن جبير بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: الْجِدَالُ فِي الْحَجِّ أَنْ يَقُولَ بَعْضُهُمُ: الحج غدا، ويقول بعضهم: الحج الْيَوْمَ، وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ مَضْمُونَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ قَطْعُ التَّنَازُعِ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ، والله أعلم.
[وَالْقَوْلُ الثَّانِي] أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِدَالِ هَاهُنَا الْمُخَاصَمَةُ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قَالَ: أَنْ تُمَارِيَ صَاحِبَكَ حَتَّى تُغْضِبَهُ. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ التَّمِيمِيِّ، سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ الْجِدَالِ، قَالَ: الْمِرَاءُ تُمَارِي صاحبك حتى تغضبه، وكذلك رَوَى مِقْسَمٌ وَالضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ ومكحول والسدي ومقاتل بن حيان وعمرو بن دينار وَالضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ بن يسار والحسن وقتادة والزهري وقال

(١) أخرجه البخاري (حج باب ٤) ومسلم (حج حديث ٤٣٨) والترمذي (حج باب ٢) والنسائي (حج باب ٤) وابن ماجة (مناسك باب ٣).
(٢) تفسير الطبري ٢/ ٢٨٣.


الصفحة التالية
Icon