خِلَافٌ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: بَلْ عِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ هَذَا أَمُرُّ جِبِلِّيٌّ، فكان الحرائر والإماء في هذا سواء، حَكَى هَذَا الْقَوْلَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَضَعَّفَهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيَّةَ، قَالَتْ: طُلِّقْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولم يَكُنْ لِلْمُطَلَّقَةِ عِدَّةٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حين طلقت أسماء العدة للطلاق، فكانت من هذا الوجه فِيهَا الْعِدَّةُ لِلطَّلَاقِ يَعْنِي وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فِي الْمُرَادِ بِالْأَقْرَاءِ مَا هُوَ عَلَى قَوْلَيْنِ: [أَحَدُهُمَا] أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَطْهَارُ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ «١» عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أنها انْتَقَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثالثة، فذكر ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَتْ: صَدَقَ عُرْوَةُ، وَقَدْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ نَاسٌ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقْتُمْ، وَتَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ؟ إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ. وَقَالَ مَالِكٌ «٢»، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ، يُرِيدُ قَوْلَ عَائِشَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ «٣» عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فقد برئت منه وبرىء مِنْهَا، وَقَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَتَادَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَبَقِيَّةِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وَدَاوُدَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أَيْ فِي الْأَطْهَارِ وَلَمَّا كَانَ الطُّهْرُ الَّذِي يُطَلَّقُ فِيهِ مُحْتَسَبًا، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَحَدُ الْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَلِهَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ: إِنَّ الْمُعْتَدَّةَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَتَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا الْمَرْأَةُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، وَاسْتَشْهَدَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَلَى ذلك بقول الشاعر وهو الأعشى: [الطويل]
فَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ | تَشُدُّ لأقصاها عزيم عزائكا |
مورثة مالا وفي الذكر رِفْعَةٌ | لَمَّا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا «٤» |
(٢) الموطأ (طلاق حديث ٥٥).
(٣) الموطأ (طلاق حديث ٥٨).
(٤) البيتان للأعشى في ديوانه ص ١٤١ ولسان العرب (غزا) والطبري ٢/ ٤٥٨ ومجاز القرآن ١/ ٧٤.
(٥) هو هوذة بن علي الحنفي.