مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، قَالَ: قُلْتُ لَهَا: حَدِّثِينِي حَدِيثَكِ، قَالَتِ: اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي، ثُمَّ جِئْتُ عثمان فسألت عثمان: مَاذَا عَلَيَّ مِنَ الْعِدَّةِ؟ قَالَ: لَا عِدَّةَ عَلَيْكِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِكِ، فَتَمْكُثِينَ عِنْدَهُ حَتَّى تَحِيضِي حَيْضَةً، قَالَتْ: وَإِنَّمَا اتبع فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرْيَمَ الْمُغَالِيَةِ، وَكَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ وَقَدْ رَوَى ابن لهيعة عن ابن الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حِينَ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ.
مَسْأَلَةٌ وَلَيْسَ لِلْمُخَالِعِ أَنْ يُرَاجِعَ الْمُخْتَلِعَةَ فِي الْعِدَّةِ بِغَيْرِ رضاها عن الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِمَا بَذَلَتْ لَهُ مِنَ الْعَطَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَمَاهَانَ الْحَنَفِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ رَدَّ إِلَيْهَا الَّذِي أَعْطَاهَا جَازَ لَهُ رَجْعَتَهَا فِي الْعِدَّةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي ثَوْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنْ كَانَ الْخُلْعُ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فَهُوَ فُرْقَةٌ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ يسمى طَلَاقًا فَهُوَ أَمَلَكُ لَرَجْعَتِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَبِهِ يَقُولُ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ لِلْمُخْتَلِعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ فِرْقَةٍ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ مَرْدُودٌ.
مَسْأَلَةٌ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُوقِعَ عَلَيْهَا طَلَاقًا آخَرَ فِي الْعِدَّةِ؟ فِيهِ ثلاثة أقوال للعلماء: [أحدها] لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا وَبَانَتْ مِنْهُ، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ. [وَالثَّانِي] قَالَ مَالِكٌ:
إِنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَهُمَا، وَقَعَ، وَإِنْ سَكْتَ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَقَعْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا يُشْبِهُ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. [وَالثَّالِثُ] أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِكُلِّ حَالٍ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَبِهِ يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وشريح وطاوس وإبراهيم والزهري والحاكم وَالْحَكَمُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عن ابن مسعود وأبي الدرداء، وقال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِثَابِتٍ عَنْهُمَا.
وَقَوْلُهُ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أَيْ هَذِهِ الشَّرَائِعُ الَّتِي شَرَعَهَا لَكُمْ هِيَ حُدُودُهُ فَلَا تَتَجَاوَزُوهَا، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إِنِ اللَّهَ حَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَفَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ مَحَارِمَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وسكت عن أشياء رحمة لكم غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا». وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ جَمْعَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ حَرَامٌ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ عِنْدَهُمْ أن يطلق وَاحِدَةً لِقَوْلِهِ الطَّلاقُ مَرَّتانِ ثُمَّ قَالَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَيُقَوُّونَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ


الصفحة التالية
Icon