الثَّانِي وَكَأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِمَا فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ تُنْزِلَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعُسَيْلَةِ الْمَنِيَّ، لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا إِنَّ الْعُسَيْلَةَ الْجِمَاعُ» فَأَمَّا إِذَا كَانَ الثَّانِي إِنَّمَا قَصْدُهُ أَنْ يُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ، فَهَذَا هُوَ الْمُحَلِّلُ الَّذِي وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِذَمِّهِ وَلَعْنِهِ وَمَتَى صَرَّحَ بِمَقْصُودِهِ فِي الْعَقْدِ بِطَلَ النِّكَاحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ.
ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ
الحديث الأول عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ»
: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي قيس عن الهزيل عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَالْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ. ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي قَيْسٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ الْأَوْدِيُّ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ الْأَوْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنَ التَّابِعَيْنِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَبِي الْوَاصِلِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ».
طَرِيقٌ أُخْرَى- رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: آكِلُ الرِّبَا وَمُوكِلُهُ وَشَاهِدَاهُ وَكَاتِبُهُ إِذَا عَلِمُوا بِهِ، والواصلة والمستوصلة، ولاوي الصدقة والمعتدي فيها، والمرتد على عقبيه أعرابيا بَعْدَ هِجْرَتِهِ، وَالْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ، مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢»، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ لِلْحُسْنِ، وَمَانِعَ الصَّدَقَةِ، وَالْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ النَّوْحِ. وَكَذَا رَوَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ بِهِ، وَكَذَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ وَحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ وَابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ بِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حديث

(١) المسند (ج ١ ص ٤٤٨).
(٢) المسند (ج ١ ص ١٠٧).


الصفحة التالية
Icon