بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة النساء (٤) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١)
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا خَلْقَهُ بِتَقْوَاهُ، وَهِيَ عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَمُنَبِّهًا لَهُمْ عَلَى قُدْرَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُمْ بِهَا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَهِيَ حَوَّاءُ عَلَيْهَا السَّلَامُ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِهِ الْأَيْسَرِ، مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ فَرَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَنِسَ إِلَيْهَا وَأَنِسَتْ إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ فَجُعِلَ نَهْمَتُهَا فِي الرَّجُلِ وَخُلِقَ الرَّجُلُ مِنَ الْأَرْضِ فَجُعِلَ نَهْمَتُهُ فِي الْأَرْضِ، فَاحْبِسُوا نِسَاءَكُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ».
وَقَوْلُهُ: وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً أَيْ وَذَرَأَ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً، ونَشَرَهُمْ فِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ، ثُمَّ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَعَادُ وَالْمَحْشَرُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ أَيْ وَاتَّقُوا اللَّهَ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ. قال إبراهيم ومجاهد والحسن الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ أَيْ كَمَا يُقَالُ: أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَبِالرَّحِمِ، وقال الضحاك: واتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به، وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا وَلَكِنْ بِرُّوهَا وَصِلُوهَا، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَرْحَامِ بِالْخَفْضِ «١» عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ فِي بِهِ أَيْ تَسَاءَلُونَ بِاللَّهِ وَبِالْأَرْحَامِ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً أي هو مراقب لجميع أحوالكم وأعمالكم، كَمَا قَالَ:
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة: ٦]. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ» وَهَذَا إِرْشَادٌ وَأَمْرٌ بِمُرَاقَبَةِ الرَّقِيبِ. وَلِهَذَا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ أَصْلَ الْخَلْقِ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ لِيَعْطِفَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيُحَنِّنَهُمْ عَلَى ضُعَفَائِهِمْ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «٢» مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ أَنَّ رسول الله ﷺ حين
(١) هي قراءة إبراهيم النخعي وقتادة والأعمش وحمزة. انظر تفسير القرطبي ٥/ ٢. [.....]
(٢) صحيح مسلم (زكاة حديث ٦٩- ٧٠).


الصفحة التالية
Icon