حارثة بن مضرب قال: قال عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ هَذَا الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ، إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفَتُ، وَإِنِ احْتَجْتُ اسْتَقْرَضْتُ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قَضَيْتُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البراء قال: قال عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ، إِنِ احْتَجْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ رَدَدْتُهُ، وَإِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ يَعْنِي الْقَرْضَ، قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ، وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ: يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا ابن مهدي عن سُفْيَانُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ: يأكل من ماله يقوت على نفسه حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى مَالِ الْيَتِيمِ، قَالَ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرانَ فِي إحدى الروايات والحاكم نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: لَا يَأْكُلْ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ كَمَا يُضْطَرُّ إلى الْمَيْتَةِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَضَاهُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حدثنا نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِئُ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَرَبِيعَةَ عَنْ قَوْلِ الله تعالى: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ الآية، فقال: ذَلِكَ فِي الْيَتِيمِ إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ فَقْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا بَعِيدٌ مِنَ السِّيَاقِ، لِأَنَّهُ قَالَ وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ يَعْنِي مِنَ الْأَوْلِيَاءِ. وَمَنْ كانَ فَقِيراً أَيْ مِنْهُمْ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
[الأنعام: ١٥٢] أي لا تقربوه إلا مصلحين له، فإن احْتَجْتُمْ إِلَيْهِ أَكَلْتُمْ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ يَعْنِي بَعْدَ بُلُوغِهِمُ الْحُلُمَ وإيناسكم الرشد منهم فحينئذ سلموا إليهم أَمْوَالَهُمْ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وهذا أمر من اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُشْهِدُوا عَلَى الْأَيْتَامِ إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ وَسَلَّمُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ لِئَلَّا يَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ جُحُودٌ وَإِنْكَارٌ لِمَا قَبَضَهُ وَتَسَلَّمَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أَيْ وَكَفَى بِاللَّهِ مُحَاسِبًا وَشَهِيدًا وَرَقِيبًا عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي حَالِ نَظَرِهِمْ لِلْأَيْتَامِ وَحَالِ تَسْلِيمِهِمْ لِلْأَمْوَالِ هَلْ هِيَ كَامِلَةٌ مُوَفَّرَةٌ أَوْ مَنْقُوصَةٌ مَبْخُوسَةٌ، مُرَوَّجٌ حِسَابُهَا، مُدَلَّسٌ أُمُورُهَا؟ اللَّهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ كُلِّهُ، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «١» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ على اثنين ولا تلين مال يتيم».