الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «عَبْدِي بَادَرَنِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» «١».
وَلِهَذَا قال تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً أَيْ ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه معتديا فِيهِ ظَالِمًا فِي تَعَاطِيهِ أَيْ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ متجاسرا على انتهاكه فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً الآية، وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ، فَلْيَحْذَرْ مِنْهُ كُلُّ عَاقِلٍ لَبِيبٍ مِمَّنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شهيد.
وقوله تَعَالَى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ الآية، أَيْ إِذَا اجْتَنَبْتُمْ كَبَائِرَ الْآثَامِ الَّتِي نُهِيتُمْ عَنْهَا، كَفَّرْنَا عَنْكُمْ صَغَائِرَ الذُّنُوبِ وَأَدْخَلْنَاكُمُ الْجَنَّةَ، وَلِهَذَا قَالَ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ أيوب عن معاوية بن قرة، عن أنس، قال: الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ لَهُ عَنْ كُلِّ أَهْلٍ وَمَالٍ أَنْ تَجَاوَزَ لَنَا عَمَّا دُونَ الْكَبَائِرِ، يَقُولُ الله: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَلْنَذْكُرْ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَرْثَعٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَتَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ؟» قُلْتُ: هُوَ الْيَوْمَ الَّذِي جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ أَبَاكُمْ، قَالَ «لَكِنْ أَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ، لَا يَتَطَهَّرُ الرَّجُلُ فَيُحْسِنُ طُهُورَهُ، ثُمَّ يَأْتِي الْجُمُعَةَ فَيُنْصِتُ حَتَّى يَقْضِيَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ إِلَّا كَانَ كَفَّارَةً لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ مَا اجْتُنِبَتِ الْمَقْتَلَةُ»، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَلْمَانَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «٣» : حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، أَخْبَرَنِي صُهَيْبٌ مَوْلَى الصواري، أنه سمع أبا هريرة وأبا سَعِيدٍ يَقُولَانِ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَكَبَّ فَأَكَبَّ كُلُّ رَجُلٍ منا يبكي لا ندري مَاذَا حَلَفَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَفِي وَجْهِهِ الْبِشْرُ، فَكَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ حُمْرِ النعم، فقال: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ، وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: ادْخُلْ بِسَلَامٍ»، وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مستدركه مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بن أبي هلال بِهِ ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ولم يخرجاه.
(٢) مسند أحمد ٥/ ٤٣٩. [.....]
(٣) تفسير الطبري ٤/ ٤١.