الْعَالِمُ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ أَيْ رَأَوْا شَبَهَهُ فَظَنُّوهُ إِيَّاهُ، وَلِهَذَا قَالَ: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ يعني بذلك من ادعى أنه قتله من اليهود، ومن سلمه إليهم مِنْ جُهَّالِ النَّصَارَى، كُلُّهُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ وَحَيْرَةٍ وَضَلَالٍ وَسُعُرٍ، وَلِهَذَا قَالَ: وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً أَيْ وَمَا قَتَلُوهُ مُتَيَقِّنِينَ أَنَّهُ هُوَ بَلْ شَاكِّينَ مُتَوَهِّمِينَ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً أَيْ مَنِيعَ الْجَنَابِ، لَا يُرَامُ جَنَابُهُ وَلَا يُضَامُ مَنْ لَاذَ بِبَابِهِ، حَكِيماً أَيْ فِي جَمِيعِ مَا يُقَدِّرُهُ وَيَقْضِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَخْلُقُهَا، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ وَالسُّلْطَانُ الْعَظِيمُ وَالْأَمْرُ الْقَدِيمُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عباس، قال: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ عِيسَى إِلَى السَّمَاءِ، خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَفِي الْبَيْتِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْحَوَارِيِّينَ، يَعْنِي فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ عَيْنٍ فِي الْبَيْتِ، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَقَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يَكْفُرُ بِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، بَعْدَ أَنْ آمَنَ بِي، قَالَ: ثُمَّ قَالَ:
أَيُّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلُ مَكَانِي وَيَكُونَ مَعِي فِي دَرَجَتِي؟ فَقَامَ شَابٌّ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَقَامَ ذَلِكَ الشَّابُّ، فَقَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَقَامَ الشَّابُّ، فَقَالَ: أَنَا، فقال: هو أنت ذَاكَ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُ عِيسَى، وَرُفِعَ عِيسَى مِنْ رَوْزَنَةٍ فِي الْبَيْتِ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: وَجَاءَ الطَّلَبُ مِنَ الْيَهُودِ فَأَخَذُوا الشَّبَهَ فَقَتَلُوهُ ثم صلبوه، فكفر بِهِ بَعْضُهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً بَعْدَ أَنْ آمن به، وافترقوا ثَلَاثَ فِرَقٍ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ، كَانَ اللَّهُ فِينَا مَا شَاءَ ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وَهَؤُلَاءِ الْيَعْقُوبِيَةُ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: كَانَ فِينَا ابْنُ اللَّهِ مَا شَاءَ، ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ النُّسْطُورِيَّةُ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: كَانَ فِينَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ فَتَظَاهَرَتِ الْكَافِرَتَانِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ فَقَتَلُوهَا، فَلَمْ يَزَلِ الْإِسْلَامُ طَامِسًا حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أبي معاوية بنحوه، وكذا ذكره غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلُ مَكَانِي، وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت فأحاطوا بِهِمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، صَوَّرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّهُمْ عَلَى صُورَةِ عِيسَى، فَقَالُوا لَهُمْ: سَحَرْتُمُونَا لَيَبْرُزَنَّ لَنَا عِيسَى، أَوْ لَنَقْتُلَنَّكُمْ جَمِيعًا، فَقَالَ عِيسَى لِأَصْحَابِهِ: مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ مِنْكُمُ الْيَوْمَ بِالْجَنَّةِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَنَا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: أَنَا عِيسَى وَقَدْ صَوَّرَهُ اللَّهُ على صورة عيسى، فأخذوه فقتلوه وَصَلَبُوهُ، فَمِنْ ثَمَّ شُبِّهَ لَهُمْ، فَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا عِيسَى، وَظَنَّتِ النَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ عِيسَى، وَرَفَعَ اللَّهُ عِيسَى مِنْ يَوْمِهِ ذلك، وهذا سياق غريب جدا.