وقوله تعالى: وَما أَكَلَ السَّبُعُ أَيْ مَا عَدَا عَلَيْهَا أَسَدٌ أَوْ فَهْدٌ أَوْ نَمِرٌ أَوْ ذِئْبٌ أَوْ كَلْبٌ، فَأَكَلَ بَعْضَهَا فَمَاتَتْ بِذَلِكَ، فَهِيَ حرام وإن كان قد سال منها الدم وَلَوْ مِنْ مَذْبَحِهَا، فَلَا تَحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ مَا أَفْضَلَ السَّبُعُ من الشاة أو البعير أو البقرة أو نحو ذَلِكَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَوْلُهُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ عَائِدٌ عَلَى مَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ عَلَيْهِ مِمَّا انْعَقَدَ سَبَبُ مَوْتِهِ، فَأَمْكَنَ تَدَارَكُهُ بِذَكَاةٍ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَعُودُ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ يَقُولُ: إِلَّا مَا ذَبَحْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَفِيهِ رُوحٌ فَكُلُوهُ، فَهُوَ ذَكِيٌّ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالسُّدِّيُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ علي في الآية قَالَ: إِنْ مَصَعَتْ «١» بِذَنَبِهَا أَوْ رَكَضَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا، فَكُلْ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا هَشِيمٌ وَعَبَّادٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِذَا أَدْرَكْتَ ذَكَاةَ الْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ، وَهِيَ تُحَرِّكُ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَكُلْهَا.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ: أَنَّ الْمُذَكَّاةَ مَتَى تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَةٍ تَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْحَيَاةِ فِيهَا بَعْدَ الذَّبْحِ، فَهِيَ حَلَالٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل. قال ابْنُ وَهْبٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الشَّاةِ الَّتِي يَخْرِقُ جَوْفَهَا السَّبُعُ حَتَّى تَخْرُجَ أَمْعَاؤُهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ تُذَكِّي، أَيَّ شَيْءٍ يُذَكَّى مِنْهَا؟ وَقَالَ أَشْهَبُ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الضَّبُعِ يَعْدُو عَلَى الْكَبْشِ فَيَدُقُّ ظَهْرَهُ، أَتُرَى أن يذكى قبل أن يموت فيؤكل؟ فقال: إِنْ كَانَ قَدْ بَلَّغَ السُّحْرَةَ «٣» فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَلَ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَ أَطْرَافَهُ فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، قِيلَ لَهُ: وَثَبَ عَلَيْهِ فَدَقَّ ظَهْرَهُ؟ فَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا لَا يَعِيشُ مِنْهُ. قِيلَ لَهُ: فَالذِّئْبُ يَعْدُو عَلَى الشاة فيثقب بطنها ولا يثقب الْأَمْعَاءَ؟ فَقَالَ: إِذَا شَقَّ بَطْنَهَا فَلَا أَرَى أَنْ تُؤْكَلَ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ عَامٌّ فِيمَا اسْتَثْنَاهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي بَلَغَ الْحَيَوَانُ فِيهَا إِلَى حَالَةٍ لَا يَعِيشُ بَعْدَهَا فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مُخَصَّصٍ لِلْآيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يا رسول الله، إنا لاقو العدو غدا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ، ليس السن

(١) مصعت بذنبها: حركته.
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٤١١.
(٣) السحرة: القلب.


الصفحة التالية
Icon