يعدلوا عنه.
وثبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ، وَجَدَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ مُصَوَّرَيْنِ فِيهَا، وَفِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ فَقَالَ «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا أَبَدًا» «١».
وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، لَمَّا خَرَجَ فِي طَلَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَهُمَا ذَاهِبَانِ إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرَيْنِ، قَالَ: فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ، هَلْ أَضُرُّهُمْ أم لا؟ فخرج الذي أكره لا يضرهم. قَالَ: فَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ وَأَتْبَعْتُهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُ اسْتَقْسَمَ بِهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً، كُلُّ ذَلِكَ يَخْرُجُ الَّذِي يكره لا يضرهم، وَكَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَ سُرَاقَةُ لَمْ يُسلِمْ إِذْ ذَاكَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ «٢».
وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رقية، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَنْ يَلِجَ الدَّرَجَاتِ مَنْ تَكَهَّنَ أَوِ اسْتَقْسَمَ أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَرٍ طَائِرًا» «٣».
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ قَالَ: هِيَ سِهَامُ الْعَرَبِ، وَكِعَابُ فَارِسٍ وَالرُّومِ، كَانُوا يَتَقَامَرُونَ بِهَا «٤». وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْأَزْلَامِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْقِمَارِ، فِيهِ نَظَرٌ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي الِاسْتِخَارَةِ تَارَةً وَفِي الْقِمَارِ أُخْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّ الله سبحانه قد قرن بينها وَبَيْنَ الْقِمَارِ وَهُوَ الْمَيْسِرُ فَقَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ- إلى قوله- مُنْتَهُونَ. وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ أي تعاطيه فسق وغي وضلالة وَجَهَالَةٌ وَشِرْكٌ.
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا تَرَدَّدُوا فِي أُمُورِهِمْ أَنْ يَسْتَخِيرُوهُ بِأَنْ يَعْبُدُوهُ ثُمَّ يَسْأَلُوهُ الْخِيَرَةَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي يُرِيدُونَهُ. كما روى الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَقُولُ «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر- ويسميه باسمه- خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال:
(٢) مسند أحمد ٤/ ١٧٥- ١٧٦.
(٣) في الدر المنثور للسيوطي ٢/ ٤٥٥: «لن يلج الدرجات العلى مَنْ تَكَهَّنَ أَوِ اسْتَقْسَمَ أَوْ رَجَعَ مِنْ سفر تطيرا». قال: وأخرجه الطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء. [.....]
(٤) تفسير الطبري ٤/ ٤١٦.