فَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشِ بْنِ عَبْدِ الله الصغاني، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَلِدَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى الله عليه وسلم يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، ودخل المدينة يوم الاثنين، وفتح بدرا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأُنْزِلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. وَرَفْعُ الذِّكْرِ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ. فَإِنَّهُ أَثَرٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عن حنش الصغاني، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَاسْتُنْبِئَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مُهَاجِرًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَوَضَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، هَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ نُزُولَ الْمَائِدَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَعَلَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرَادَ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ عِيدَيْنِ اثْنَيْنِ، كَمَا تقدم فاشتبه على الراوي، والله أعلم.
وقال ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : وَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ النَّاسِ، ثُمَّ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ النَّاسِ، قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرِهِ إِلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ مردويه من طريق أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: إِنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ حِينَ قَالَ لَعَلِيٍّ «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ». ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ أَنَّهُ الْيَوْمُ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يَعْنِي مَرْجِعَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا وَلَا هَذَا بَلِ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَكَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ كَمَا رَوَى ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَوَّلُ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وأرسله الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةُ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ فَمَنِ احْتَاجَ إِلَى تَنَاوُلِ شيء من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك، فله تناوله، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ حَاجَةَ عَبْدِهِ الْمُضْطَرِّ وَافْتِقَارَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَيَتَجَاوَزُ عَنْهُ، وَيَغْفِرُ لَهُ، وَفِي الْمُسْنَدِ وَصَحِيحِ ابْنِ حبان عن ابن عمر مرفوعا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخْصَتُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ، وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ «مَنْ لَمْ يَقْبَلْ

(١) مسند أحمد ١/ ٢٧٧. [.....]
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٤٢٣- ٤٢٤.


الصفحة التالية
Icon