إِلَّا هُوَ، وَقَدْ بَصَّرَنِي وَهَدَانِي إِلَى الْحَقِّ، وَأَنَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ، فَكَيْفَ أَلْتَفِتُ إِلَى أَقْوَالِكُمُ الْفَاسِدَةِ وَشُبَهِكُمُ الْبَاطِلَةِ.
وَقَوْلُهُ وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً أَيْ وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِكُمْ فِيمَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ، أَنَّ هَذِهِ الْآلِهَةَ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا لَا تُؤَثِّرُ شَيْئًا، وَأَنَا لَا أَخَافُهَا ولا أباليها، فإن كان لها كيد فكيدوني بها، ولا تنظرون بل عاجلوني بذلك. وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي أحاط علمه بجميع الأشياء فلا يخفى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ أَيْ فِيمَا بَيَّنْتُهُ لكم أفلا تعتبرون أن هذه الآلهة باطلة فتنزجروا عَنْ عِبَادَتِهَا، وَهَذِهِ الْحُجَّةُ نَظِيرُ مَا احْتَجَّ بها نَبِيُّ اللَّهِ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى قَوْمِهِ عَادٍ، فِيمَا قَصَّ عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ، حَيْثُ يَقُولُ قالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها [هود: ٥٣- ٥٦] الآية.
وَقَوْلُهُ وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ أَيْ كَيْفَ أخاف من هذه الأصنام التي تعبدونها مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أي حجة وهذا كقوله تَعَالَى: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشُّورَى: ٢١] وقوله تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ [النَّجْمِ: ٢٣].
وَقَوْلُهُ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي فأي طائفتين أَصْوَبُ، الَّذِي عَبَدَ مَنْ بِيَدِهِ الضُّرَّ وَالنَّفْعَ، أَوِ الَّذِي عَبَدَ مَنْ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، بِلَا دَلِيلٍ أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْلَصُوا الْعِبَادَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، هُمُ الْآمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمُهْتَدُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ «١» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ أَصْحَابُهُ وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَنَزَلَتْ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأعمش، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ شَقَّ ذَلِكَ على
(٢) مسند أحمد ١/ ٣٧٨.